العدد 4298
الثلاثاء 21 يوليو 2020
banner
د.حورية الديري
د.حورية الديري
عندما تتطاير الأوراق
الثلاثاء 21 يوليو 2020

كان يا ما كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، وكأنني أعيش في ذاك الزمان الذي كان فيه لحكايات جدتي صيت وشأن، حيث كان.. جزيرة جميلة يعيش فيها شاب يدعى أموور، يحمل من اسمه الكثير فهو شخصية مرهفة عاطفية ويحب اللون الأحمر بشكل كبير، عاش وحيدًا حزينًا بعد وفاة والدته، لذلك ازداد ارتباطه بالطبيعة حتى بدأ يرسم على الجدران ويستخدم اللون الأحمر في معظم رسوماته، غالبًا ما يقف متأملاً ما ينتج عن تلك الرسومات من معان، فاكتشف بداخله شخصًا فنانًا، لكن الحزن مازال مستمرًا ومنعسكًا على أغلب لوحاته، حينها جاء بمجموعة أوراق من الشجر وكتب على كل منها ما يجول بخاطره من أمنيات وأحلام، واحتفظ بها في صندوق حاجياته.

مضى من الزمن عامان.. وأموور على نفس الحال، يصحو في الصباح فيتوجه إلى تلك الأرض المجاورة يجلس هنا وهناك مستمتعا بجمال الطبيعة والهدوء، حتى باغتته اللحظة التي أعلنت عن هبات عاتية من رياح الأفكار التي اجتاحت لحظات الهدوء التي يعيشها، ليبدأ بطرح السؤال التالي على نفسه “كيف أجعل لحياتي معنى؟” وأخذته سلسلة أفكاره في عتاب مع نفسه.

انتابته لحظات صمت راح معها يتذكر أحاديث والدته قبل موتها ونصائحها له بأن يكون سيد المحبة أينما وجدت، وصانع السعادة كيفما حلت، فاستفاق من تلك القيود التي منعته من الإحساس الفعلي بقيمة حياته وقوة ما لديه، لكنه سرعان ما توجه إلى ذاك الصندوق العجيب وهو الشيء الوحيد الذي تركته والدته له، استخرج تلك الأوراق الجميلة التي انتقاها بعناية من تلك المزرعة، وهاج بها مسرعًا مخاطبًا كل لوحة من لوحاته المرسومة على الجدران: “الأمر الوحيد الذي يصنع السعادة هو الحب، وأنا خلقت من أجل الحب وسأعطي الحب في كل لوحة من لوحاتي لتكون رسالة سامية للبشرية من أجل الحب والمحبة”.

حينها انتقل للنظر إلى أوراق الأشجار التي بيده ورفع عينيه إلى السماء وفجأة تطايرت تلك الأوراق التي ظل محتفظا بها لسنوات، معلنا لحظة التحول للورقة الأقوى التى استطاع أن يمسك بها قبل وقوعها على الأرض، وكانت هي السر الذي ساعده على اكتشاف ذاته وتغيير حياته نحو السعادة الحقيقية، وراح يترجم تلك الأحاسيس في لوحاته الفنية التي بيعت فيما بعد في أكبر المعارض الفنية وحصلت على العديد من الجوائز وصارت من أكثر اللوحات التي تجذب الهواة والفنانين.

العبرة من تلك القصة في الورقة الحقيقية التي بإمكانها صناعة إنسان، فشخصية أموور ترمز إلى الحب كما هو معناها في اللغة الفرنسية، والقوة السحرية كانت في تلك الورقة التي أنقذت أموور من قسوة حياته ليكون إنسانًا وهاجًا، يعطي الحب من أجل الحب، لذا عزيزي القارئ، هلا عثرت على الورقة التي تجعل لحياتك معنى وأثرا؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .