العدد 4262
الإثنين 15 يونيو 2020
banner
د. محمد رضا منصور بوحسين
د. محمد رضا منصور بوحسين
رؤية 2030 في ظل التطور الرقمي وغياب النظام التشريعي الناظم لعمليات الفوركس
الإثنين 15 يونيو 2020

إن تبني استراتيجية تكنولوجيا المعلومات والثقافة الرقمية، تعتبر من أهم المعايير للتنمية المستدامة في مختلف القطاعات باعتبارها تمثل روح العصر والمستقبل القائم على أساس الاقتصاد المعرفي Knowledge-Based Economy.

إذ لا تنمية مستدامة دون تطوير منظومة الاقتصاد وقيم وسلوكيات ومبتكرات تحقق التنمية المستدامة، والبحرين تولي عناية خاصة بالمعرفة والإبتكار والتنمية المستدامة وتماشياً مع هذه الحقائق أطلق جلالة الملك المفدى في أكتوبر 2008 “الرؤية الاقتصادية 2030” التي كرست الإستدامة وتحقيق مبادئ التنمية، وأولت الحكومة بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزارء الموقر وبدعم نوعي من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد اهتمامًا خاصًّا بالتنمية الاقتصادية والبشرية والبنية التحتية والحضرية واضعين أسس نطاق التنمية المستدامة لمستقبل البحرين بالألفية الثالثة.

تمتلك البحرين تجربة ثرية ونوعية في مجال التنمية بشتى أبعادها، مما جعلها تواكب حركة التطور العالمي في مجال التنمية المستدامة، وهو ما يدعو إلى أن تكون السباقة دائما في تبني واستحداث الأفضل في سياسات التنمية والتطوير، خاصة وأنها وفق عوامل تاريخية واقتصادية كانت مهدا للتجارة ومركزا مالياً بالمنطقة ونموذجاً للحداثة، وهو الأمر الذي يجرؤنا على إبداء المقترحات والنقد البناء لملء الفراغات، ومنها اقتراح أهمية إعداد منظومة اقتصادية وتشريعية تتلاءم مع الاقتصاد المعرفي والرقمي والتطور التكنولوجي الذي هو قلب وجوهر العهد الجديد، وهو ما نأمل أن تكون إحدى الاستراتيجيات الواضحة في “الرؤية الإقتصادية 2030”.

من المعلوم، أن التطور في تكنولوجيا الاتصالات والانترنت ساهم في التأثير بشكل مباشر يغير الأنماط التقليدية في القطاع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والمالي وعلى طبيعة التداول والمعاملات المالية في الأسواق المالية بالتحول نحو التداول الالكتروني التي أطلق عليه مصطلح “فوركس”، ونتج عن ذلك تغير في عالم الاستثمارات، وأصبح العملاء يستخدمون الأنظمة الحاسوبية في تطبيق عمليات البيع والشراء الخاصة في الأوراق المالية، من أجل الوصول إلى تنفيذ صفقات كبرى بين الأطراف بطرق سهلة.

ويشير مصطلح “فوركس” إلى سوق العملات الأجنبية أو البورصة العالمية للعملات، وهو سوق يمتد في جميع أنحاء العالم حيث تصرف العملات من قبل عدة مشاركين، مثل البنوك العالمية والمؤسسات الدولية والأسواق المالية والمتداولون الأفراد. ويتم التداول عن طريق شراء وبيع العملات الأساسية التي تحوز على الحصة الأساسية من العمليات في سوق الفوركس وهي الدولار الأمريكي، اليورو الأوربي، الجنيه الاسترليني، الين الياباني وعملات أخرى عربية وأجنبية.

وقد برزت عدد من الشركات الأجنبية التي أنشأت فروعا لها في عدد من الدول العربية ومن بينها مملكة البحرين، وفي ظل غياب التشريع القانوني المنظم لمثل هذا النوع من الأنشطة تمارس تلك الشركات أنشطتها متخفية في عباءات مختلفة وتحت مظلة قانونية خاصة “بتسويق الخدمات”، التي هي في حقيقتها من حيث التأصيل والمضمون لا تنظم عمليات الفوركس من الناحية القانونية والمالية، ويكشف ذلك حالة من الفراغ التشريعي للمشرع البحريني الذي نأمل أن يتداركه خاصة وإن مملكة البحرين تمثل واجهة مالية هامة بالمنطقة.

إن غياب النص والإطار التشريعي لتجارة “الفوركس” أدى إلى تشويه سمعة تجارة الفوركس - مع تعاظم أهميتها اقتصاديا - نتيجة للكثير من الممارسات غير القانونية التي تندرج ضمن جرائم النصب والاحتيال على المستثمرين بغرض التربح غير القانوني، وعليه فإن ايجاد إطار تنظيمي وقانوني لتجارة الفوركس يبقى مطلبا وضرورة استراتيجية لأهمية ودور هذه التجارة في المستقبل، وايجاد هذا الإطار التنظيمي والقانوني في البحرين خاصة وإنشاء هيئة رقابية في العالم العربي عموما سوف يمثل علامة فارقة في تطور صناعة الفوركس في المنطقة.

وإن تأسيس “هيئة عربية” تكون على غرار لجنة العقود المستقبلية والتداول بالسلع الأميركية تتولى منح التراخيص ومراقبة عمل جميع هذه الشركات على مستوى العالم العربي، من شأنه أن يجعل المستثمرين والمتداولين يشعرون بالطمأنينة بأن أموالهم مصانة من العبث وفي أمان، وفي نفس الوقت تتعاظم وتكسب تداولات الفوركس في العالم العربي السمة القانونية والشرعية.

إننا ومع ثقتنا بما يتمتع به سوق المال البحريني من قدرة تنافسية عالية وعالمية، فإنه ينبغي على جميع الجهات المعنية بسوق المال البحريني أن تعمل على تطوير أدوات التداول بما يسمح لها بجذب شرائح أكبر من المتعاملين في سوق المال والحفاظ على مستثمري السوق الحاليين خاصة مع نمو وازدهار الحياة الرقمية بشكل رهيب، آملين أن تكون البحرين سباقة كما عهدناها دائما في وضع تشريع يعنى بتنظيم تجارة الفوركس والمحرك الأساسي في تأسيس جهة رقابية عربية موحدة تتولى الرقابة على تجارة الفوركس والترخيص للشركات العاملة في هذا المجال خاصة في ظل تنامي هذه التجارة وانطلاقها على مستوى دولي واسع، وذلك بالحقيقة يتماشى مع جوهر “الرؤية الاقتصادية 2030”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية