العدد 4127
السبت 01 فبراير 2020
banner
“كورونا” بين نظرية المؤامرة والتشمت
السبت 01 فبراير 2020

لا شيء يقلق الناس هذه الأيام أكثر من ڤيروس “كورونا” القادم من الصين، حتى يكاد يطغى على أخبار حروب المنطقة ونزاعاتها؛ فمنذ بات العالم قرية كونية بعد أن تلاشت المسافات البعيدة بين البلدان والقارات بفعل التطور المذهل لثورة الاتصالات، أضحت البشرية موعودة كل بضع سنوات بظهور فيروس جديد، وذلك على النقيض من التقدم العلمي الهائل الذي أحرزته الحضارة في مجال الطب والوعي الصحي. ولعل هذا الوباء الجديد يذكرنا بفيلم أميركي عُرض في دور السينما العالمية مطلع العقد بعنوان عدوى CONTAGION للمخرج الأميركي ستيفن سودر بيرج، وسيناريو سكوت بيرنز، وقد أعادت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية التذكير به واعتبرته أنه تنبأ بحدوثه، وهذا ما شجعنا على مشاهدته في نادينا السينمائي الأسبوعي  بحضور ثلة من الأصدقاء المثقفين، حيث نعرض أحد الأفلام الجديدة المقترحة، ويستضيفنا الصديق رياض خميس في إحدى قاعات منزله السردابية والمزودة بشاشة عرض كبيرة ذات مؤثرات صوتية مناسبة.

تقوم فكرة الفيلم الذي يقوم ببطولته مات ديمون وغوينيث بالترو على ظهور فيروس فتّاك في الصين سرعان ما ينتشر عالمياً، بينما تبذل مراكز السيطرة في الولايات المتحدة وعدد من دول العالم ومنظمة الصحة العالمية جهوداً جبّارة للحد من انتشاره والسيطرة عليه بكل السُبل العلاجية العلمية والوقائية الممكنة، ولا ينسى الفيلم تذكيرنا بهوس الناس للحصول على المصل المضاد له في ظل ندرته أو اختفائه، كما يعرض بشكل سريع استغلال شركات الأدوية هذا الهوس لمراكمة الأرباح دون أن يتوسع في هذه النقطة المهمة، وفي نهاية الفيلم وعلى طريقة “فلاش باك” لليوم الأول من الأزمة التي يتابعها الفيلم يوماً بيوم يسلط المخرج فجأةً الضوء على الخفافيش ليومئ بمسؤوليتها عن ظهور الفيروس، وهذا ما يفسر لنا تناقل وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام فيديو شوربة الخفاش التي يشاع بأن الصينيين يقبلون عليها في وجباتهم، وإن كان ذلك - في نظرنا - بمثابة تعريض بثقافة شعب غذائية وازدرائها، أياً كان مدى استساغتها مادامت لكل شعب عاداته ومأكولاته الغذائية الخاصة التي قد لا يستسيغها شعب آخر.

وبطبيعة الحال وجدت هنا “نظرية المؤامرة” ضالتها لتزايد على الصين بإلقاء تهمة ظهور الوباء فيها على أميركا، مع العلم بأن المكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم عقد اجتماعاً طارئاً برئاسة زعيمه شي جينبينج واعترف المكتب بأن البلاد تواجه وضعاً خطيراً لتسارع انتشار الوباء، مؤكداً أن الصين ستنتصر عليه، واستنفرت الدولة كل إمكانياتها العلمية والعلاجية لمواجهته، ولأن حُمى الصراعات السياسية الدولية كثيراً ما تعمي الحاجة الملحة للتعاون الدولي في القضاء على وباء يهدد قريتنا الكونية المشتركة لا الصين وحدها، وجدنا واشنطن تتخذ موقفاً أشبه بالمتشمت، فلم يتورع وزير خارجيتها بومبيو في أوج تصاعد محنة الشعب الصيني عن التصريح بأن قيادتها تشكل “التهديد الرئيسي في عصرنا”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية