العدد 4096
الأربعاء 01 يناير 2020
banner
تركيا واستراتيجية صنع الأزمات (1)
الأربعاء 01 يناير 2020

ربما يرى كثيرون أن تركيا حققت في العقدين الأخيرين الكثير من التقدم والنجاح لاسيما على الصعيد الاقتصادي، لكن السنوات الأخيرة شهدت، ولا تزال، نزيفاً مستمراً من الخسائر والضربات التي قوضت، ولا تزال الكثير من تلك النجاحات والإنجازات وتحولت تركيا بفعل ذلك من نموذج و”حلم” على الأقل على مستوى الدراما واللاواقع، إلى مثال ونموذج ولكن في الاتجاه المعاكس تماماً، أي في تدمير الذات والانتقال من النجاح إلى الفشل، ومن حصد الإعجابات إلى مصدر للكراهية والتفتيت والانقسامات. أحد أسباب أو أسرار هذا التحول السلبي والتدهور الخطير في الحالة التركية، التحول الحاصل سياسياً في البلاد، التي حققت الكثير بفعل سياسة “صفر مشكلات” التي كان ينتهجها وزير الخارجية الأسبق داود أوغلو، مهندس السياسة الخارجية للبلاد في واحدة من أهم مراحلها التاريخية، وهي السياسة التي انقلب عليها وعلى صاحبها الرئيس أردوغان حين حشد كل مصادر القوة والنفوذ والسلطات وجمعها بين يديه عبر تعديل دستوري أعاد فيه تغيير الشكل الدستوري والسياسي للدولة التركية لمجرد البقاء في منصبه لسنوات أطول! انتقلت تركيا الأردوغانية العثمانية بعد طي صفحة أوغلو من “صفر مشاكل” إلى “أم المشاكل” حيث أصبحت صانعة للأزمات ومصدر الإزعاج والتوترات الإقليمية، وافتعلت صراعات وكوارث وخلافات مدمرة للاقتصاد التركي مع قوى دولية كبرى كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقامت بالتدخل العسكري غير المشروع في سوريا وهاهي تستعد للتدخل في ليبيا بدعوى دعم حكومة الوفاق التي يتزعمها فايز السراج في مواجهة الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر. يحاول الرئيس جاهداً شق الصف العربي وتعميق الخلافات العربية ـ العربية، واستغلال أية ظروف أو ثغرة في جدار العلاقات العربية من أجل توظيفها لمصلحة تحقيق أهدافه وأحلامه في استعادة مجد الأجداد رغم اختلاف الأزمات والظروف والمعطيات كافة! وفي هذا الإطار، قام الرئيس أردوغان مؤخراً بزيارة لافتة إلى تونس يرافقه وفد ضم وزيري الخارجية والدفاع وقادة المخابرات التركية، وكان التدخل العسكري التركي حاضراً بقوة على أجندة المحادثات مع الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد، الذي لم يقدم دعماً واضحاً للمسعى التركي تجاه ليبيا، ولكن أردوغان استغل فرصة وجوده قرب الحدود الليبية ليعلن أنه سيلبي طلب حكومة طرابس بإرسال قوات تركية في إطار تدخل عسكري تركي رسمي بعد موافقة البرلمان التركي على ذلك.“إيلاف”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية