+A
A-

مجلة أميركية: لماذا أصبحت السعودية المكان المنشود لبدء الأعمال التجارية بالمنطقة؟

نشرت مجلة إنتربرينور الأميركية تقريراً عن تحسن بيئة ريادة الأعمال والشركات الناشئة في السعودية، والإجراءات التنظيمية التي تم تسهيلها، إضافة إلى الإصلاحات الاجتماعية الكبيرة التي أحدثها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والذي من شأنه أن يحفز المستثمرين والمواهب الأجنبية على العمل في المملكة.

وباتت الحكومة السعودية من خلال رؤية 2030، تولي اهتمامًا أكبر بالقطاع الخاص والشركات الناشئة ورؤوس الأموال الجريئة، حيث يظهر ذلك من خلال تسريع إصدار الرخص لهذا النوع من الشركات.

وتحت عنوان "لماذا تعتبر السعودية بصورة متزايدة المكان المنشود لبدء الأعمال التجارية في الشرق الأوسط"، تقول مجلة إنتربرينور الأميركية إن المملكة تتطور.

رحلة البحث عن الذات

"هل تخليت حقًا عن عملك مع ماكينزي من أجل القيام بهذا العمل؟" ألبر سيلين Alper Celen قرر التخلي عن وظيفته في المكاتب الاسكندنافية المرموقة التابعة لشركة الاستشارات الإدارية العالمية من أجل الانتقال إلى السعودية، وذلك بغية تطوير شركةٍ ناشئة. قراره لم يكن منطقيًا بالنسبة لزملائه، إذ أسس سيلين الشركة الناشئة المسماة فرصتي والتي تشبه موقع Groupon في عملها، إلى جانب أنه شارك في تأسيس عمليات موقع FoodOnClick.com في السعودية، حيث بدأ في المشاريع من الصفر في وقتٍ كان فيه مشهد الشركات الناشئة في المملكة في مرحلة النشوء.

يروي سيلين قصته قائلاً إنها "كانت رحلة البحث عن الذات. فهؤلاء أشخاص أذكياء كانوا يجعلونني أشكك في اختياراتي. وفي عام 2010، عندما بدأنا لأول مرة، كنا نكافح. فقد كان من الصعب العثور على المواهب. كما كان من الصعب جمع التمويل. ولم تكن هنالك صناديق استثمارية جريئة ما عدا شركة ومضة، وقليل من الجهات النشطة، هذا ما كان الأمر عليه في السابق. وبالأساس، لم يكن هنالك مستثمرون من رعاة الأعمال. فكان من الصعب للغاية في السعودية بناء شيءٍ ما. ففي الغالب، كنت أموّل الأعمال من جيبي الخاص".

واليوم تبدل الوضع، سيرين يقدم مشورته للشركات الناشئة غير السعودية لتلقي المشورة بشأن كيفية الدخول في السوق السعودي. كشريك مؤسس لشركة بناء المشاريع في الشرق الأوسط القابضة التي يطلق عليها "إنهانس" التي أطلقت منصة الهدايا على الإنترنت في عام 2016. سيلين يصف السوق السعودية بأنها "أسرع سوقٍ يمكن من خلالها إطلاق الشركات الناشئة غير السعودية في السعودية".

استراتيجية تضع السعودية أولاً

يقول سيلين: "لقد أطلقنا joi في السعودية عقب شهر من إطلاقه في دبي، ولا أعتقد أن هنالك شخصاً قد قام بذلك من قبل. لدينا استراتيجية تضع السعودية أولًا. فمعظم مستثمرينا سعوديون، والسوق السعودي يعد سوقنا الرئيسي. أعتقد أن هذا الأمر يمنحك نظرة على التغيير الذي طرأ على النظام الأيكولوجي. لقد كانت السنوات القليلة الماضية تمثل نهضةً مذهلة".

لقد أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن رؤية 2030 في 2016 باعتبارها مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المصممة لتنويع الاقتصاد البديل عن النفط، وجذب رؤوس الأموال الأجنبية، وخلق فرص عمل للمواطنين.

وتستهدف الحكومة زيادة المساهمة الحالية للشركات الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي من 20% إلى 35% بحلول عام 2030، والتي تعد مدرجة كأولوية قصوى للازدهار.

رؤية مدعومة من الحكومة

ويذكر فيليب باهوشي، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة "ماغنت" أنه: "تماشيًا مع رؤيتها 2030، أطلقت المملكة مبادراتٍ حكومية متعددة رامية إلى تحفيز روح ريادة الأعمال والابتكار من أجل أن تصبح محورًا لريادة الأعمال في المنطقة. كما تشمل هذه المبادرات التي تدعمها الحكومة توفير الترخيص لشركات رأس المال الجريء والشركات الناشئة، والاستثمار في صناديق رؤوس الأموال الجريئة المحلية، ومنصات التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة، فضلًا عن حاضنات ومسرّعات الأعمال".

ويعد تأسيس "منشآت" – الهيئة السعودية العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة – إحدى الخطوات الرئيسية الرامية إلى تطوير وتنمية قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث تعمل منشآت مع السلطات المعنية من أجل إزالة العوائق الإدارية والتنظيمية والتقنية والإجرائية والإعلامية التي يواجهها القطاع.

وفي نهاية عام 2018، أنشأت منشآت نموذجًا لمركز دعمٍ للشركات الصغيرة والمتوسطة يرمي إلى توفير خدمات التدريب والاستشارة والإرشاد لمساعدة رواد الأعمال على التغلب على التحديات التي تواجه نموهم.

كما أطلقت الهيئة شركة رأسمال جريء مملوكة للحكومة يُطلق عليها شركة فينشر كابيتال السعودية [Venture Capital Company] – بصندوقٍ تبلغ قيمته 5 مليارات ريال (1.33 مليار دولار) والتي ستستثمر مباشرة في الشركات الناشئة وصناديق رؤوس الأموال الجريئة في البلاد.

واقع مختلف

ومن جانبه، يقول علي أبوسعود، وهو الشريك الإداري في شركة "هلا فينتشر كابيتال" إنه يُؤمن بأن الدعم الكبير الذي تقدمه الحكومة إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة كجزء من خطة الإصلاح الرئيسية سوف تُساعد القطاع ليُحرز تقدمًا سريعًا بما يُعادل عشرين عامًا خلال بضع سنوات فحسب.

وأصر على أن مُبادرات القطاع العام هي أكثر عوامل التمكين إقناعًا في أي اقتصاد. وقال مُتأملًا أن تُساهم الخُطوات المتخذة في تغيير المفاهيم الخاطئة حول إقامة الأعمال التجارية في المملكة: "لا يُمكنك الاعتماد فعلًا على القطاع الخاص أو أي شخص آخر لتحسين السوق ما لم تتدخل الحكومة، وهي قامت بذلك بنفسها".

وأضاف: "ثمة الكثير من الناس من يعتقد أن السعودية هي وجهة ليس من السهل العمل فيها أو ليس من السهولة الحصول على ترخيصٍ فيها وفي الواقع، لم يعد ذلك هو الحال".

وفي عام 2018، أعلنت الهيئة العامة للاستثمار في السعودية (SAGIA) أنها ستمنح الرخص خلال أقل من أربع ساعات، ما يقود إلى تسريع العملية من المُعدل السابق بواقع 53 ساعة. ويؤكد ذلك سيلين بقوله: "لقد تقدمنا بطلب الحصول على ترخيص من الهيئة العامة للاستثمار وحصلنا عليه في ظرف ساعتين"، مُضيفًا أنه تلقى ردودًا من مسؤولي الهيئة عند منتصف الليل، وقال: "اعتقدت أن الشخص الذي أتواصل معه كان موظفًا صغيرًا نسبيًا ومن ثم أدركت أنه هو رئيس البرنامج برمته. أرى تعطُشًا في المنظمة وهُم في طريقهم لإحداث تغيير".

حاضنات الأعمال

وقد أظهرت الأرقام الصادرة عن الهيئة أنها أصدرت 267 ترخيصًا جديدًا لصالح مُستثمرين أجانب خلال الربع الأول من عام 2019 بزيادة قدرها 70% بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي. كما أطلقت الهية العامة للاستثمار مبادرة استثمر في السعودية الرامية إلى جذب رأس المال الجريء وشركاتها الاستثمارية.

وكانت حاضنات الأعمال المُرخصة في السعودية مثل أسترولابس [AstroLabs] تُروج لرخصة ريادة الأعمال الجديدة المدعومة والتي تم تصميمها بغرض جذب الشركات المبتكرة إلى المملكة.

وبالإضافة إلى نتائجها "غير المسبوقة" من حيث الترخيص للمستثمرين، أصدرت الهيئة أكثر من 300 ترخيص لرواد الأعمال من 45 جنسية مختلفة منذ أواخر العام 2017.

مكان "تبدأ منه"

يقول كل من المستثمرين ورواد الأعمال في السعودية إن الإصلاحات الاجتماعية التي قام بها ولي العهد، مثل السماح بقيادة المرأة، ورفع الحظر الذي استمر 35 عاماً على دور السينما، غذت مؤسسي الشركات المحليين بإلهام جديد للابتكار.

ويقول محمد السهلي المدير التنفيذي لأرابيان تشاين (Arabian Chain) وهي شركة ناشئة لتقنية البلوك تشاين ومقرها الإمارات، والرئيس التنفيذي لمنصة أسواق الصكوك الجديدة "وثاق": "لقد أثار التغيير اتجاهاً في السعودية. الكثير من الناس يفكرون في ريادة الأعمال ويفكرون في الانضمام إلى حركة الشركات الناشئة".

وعلى الرغم من أن السهلي الذي يحمل الجنسية السعودية أسس شركاته في دبي، إلا أنه يقول إن المملكة تضع نفسها في مكان: "تبدأ هنا أولاً وتذهب أين تريد لاحقاً". ويضيف السهلي: "في 2016 كانت دبي جاهزة لتكنولوجيا البلوك تشاين والابتكار، لذلك كان من المنطقي أن نذهب إلى هناك، ونتعلم من هذه التجربة، وبعد ذلك ننقل التجربة إلى السعودية".

البطاقة الخضراء

في العادة ما يحصل هو أنه كلما كبرت الشركات تبدأ في البحث عن مكان مريح أكثر وفيه جودة حياة أفضل". وهذا ما فعلته الحكومة السعودية في مايو حيث وافقت على إحداث نظام إقامة دائمة على غرار البطاقة الخضراء الموجودة في الولايات المتحدة ستسمح لرواد الأعمال المؤهلين، والمستثمرين، والخبرات ذات المهارات العالية بالعمل في السعودية دون الحاجة إلى المتطلب الحالي بوجود كفيل أو جهة توظيف.

ويقول الدكتور الزايدي من الهيئة العامة للاستثمار: "كما قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: طموحنا عنان السماء"، ولذلك نطلب من كل الطموحين والحالمين والمبتكرين إطلاق أفكارهم التجارية المبدعة، لأن هذا الوقت هو وقتهم. وتعد السعودية أكبر سوق خليجي مع إمكانات غير مستغلة في قطاعات مبتكرة جديدة. بالإضافة إلى 1.7 مليار دولار من الدعم الحكومي المخصص للشركات الناشئة ونظام بيئي متنامٍ لشركات رأس المال الاستثماري والحاضنات والمسرعات، فمن المنطقي تمامًا أن يبدأ رواد الأعمال المواطنون والدوليون أعمالهم الناشئة المبتكرة في المملكة العربية السعودية".

كما أن مدير العمليات في شركة أي إس أي لرأس المال الجريء [ASA Ventures] والتي يقع مقرّها الرئيسي في دبي، دانش رزفي [Danish Rizvi] ينصح كذلك الشركات الناشئة في المنطقة بالتفكير بعيد المدى فيما يتعلّق بتموقعهم.

ويستكمل رزفي قائلًا: "وبغض النظر عن تمكين الشركات الناشئة السعودية من خلال الشراكات التشغيلية، إلا أننا نرغب كذلك بجلب شركاتنا الناشئة من الإمارات إلى السعودية، فبالنظر إلى التشابه الثقافي [بين البلدين] فهناك احتمالية قوية لأن تزدهر شركاتنا الناشئة من هناك".

ويعترف سيلين من شركة "إنهانس" بأنه وعلى الرغم من جميع ما تبذله [السعودية] إلا أن السوق السعودي الضخم لا يزال صعبا على الشركات الناشئة المحلية وغير السعودية الدخول فيه، ما لم يكن لديهم مستثمرون سعوديون فاعلون عندهم رغبة وعلاقة ودّية مع المؤسس، وهذا ما جعله ينصح الشركات الناشئة بأن تبحث عن مستثمرين سعوديين نشِطين وودودين في تعاطيهم مع المؤسس، سواء كانوا يبحثون عن تمويل أم لا.

ويضيف سيلين: "نعتقد بشدة أنه بدون السعودية فلن يكون هناك حكاية للشرق الأوسط، فهي تشكل 40% من الدخل المتاح في العالم العربي بأكمله. نشعر بأنها مجموعة العشرين الحقيقية أو المنسية، وممارسة أعمالنا هناك أمر بالغ الأهمية بالنسبة لنا لكي ننجح".