سيقوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في هذا الشهر بزيارة عمل إلى الهند يُتَوقع أن يتم خلالها التوقيع على عدد من الاتفاقيات المتعلقة بصفقات أسلحة كبيرة تشمل بيع طائرات تجسس للإنذار المبكر والمراقبة الجوية، وصواريخ مضادة للمدرعات، ومدافع، ورادارات لاستخدام سلاح الجو الهندي، وطائرات انتحارية من دون طيار وغيرها من الأسلحة الإسرائيلية المتطورة تفوق قيمتها 3.5 مليار دولار.
وتكتسب هذه الزيارة أهمية قصوى بالنسبة لنتنياهو؛ لحاجته الماسة إليها لتدعيم موقفه في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المقبلة التي ستجرى في شهر أبريل المقبل.
ومنذ قيام دولة إسرائيل في العام 1948، فقد رفضت الهند بشدة وصلابة إقامة علاقات دبلوماسية معها تعبيرًا عن موقفها المناصر للعرب وللقضية الفلسطينية، إلا أنه بعد أن أقامت مصر علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل في العام 1980 ومبادرة دول عربية أخرى بإجراء اتصالات وإقامة علاقات دبلوماسية معها، وبعد انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991، حيث تم التعانق وتبادل القبلات بين الإسرائيلين والفلسطينيين، فقد نجحت إسرائيل في إقناع الهند بإقامة علاقات دبلوماسية بينهما في العام 1992.
ومنذ ذلك التاريخ بدأت العلاقات بين البلدين تنمو وتتطور بوتائر متسارعة في مختلف المجالات مع التركيز على المجالات العسكرية والأمنية والاستخباراتية ومكافحة الإرهاب، كما تمدد التعاون فيما بينهما ليشمل مجالات التصنيع المشترك، والأبحاث والتطوير، والنفط والغاز، والطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات، والإنتاج السينمائي، والطيران، وأمن الإنترنت، والزراعة والري ومحاربة التصحر، وعلوم الفضاء وغيرها من المجالات الحيوية، بحيث تمكنت إسرائيل من إبرام صفقات مع الهند بقيمة 5 مليارات دولار بين العامين 2002 و2005.
وفي العام 2008 وقعت العملية الإرهابية الكبرى والتفجيرات في يوم واحد وفي مواقع مختلفة من مدينة مومباي والتي ارتكبها أرهابيون، تجلببوا زورًا بعباءة الإسلام، وراح ضحيتها أكثر من 200 بريء.
وبعد أيام من هذه المجزرة والجريمة البشعة باعت إسرائيل على الهند أسلحة وأنظمة دفاعية بقيمة 600 مليون دولار، ثم أخذت علاقات التعاون العسكري بين البلدين في التوسع والتطور بقفزات واسعة إلى أن أصبحت إسرائيل ثالث أكبر شريك عسكري للهند بعد روسيا والولايات المتحدة الأميركية وأصبحت الهند أكبر مشترٍ للأسلحة الإسرائيلية.
إن ما تشهده العلاقات بين الهند وإسرائيل من تطور نوعي لهو أمر مقلق ويتعارض مع مصالح دول مجلس التعاون الخليجي ويدعو هذه الدول إلى مراجعة وإعادة النظر في مجمل العلاقات الخليجية الهندية بهدف تطويرها وتنميتها وجعلها تتخطى حدود العلاقات التجارية والعمالية وبقدر أقل الثقافية والارتقاء بها إلى مستوى العلاقات الإستراتيجية.
ومن الواضح أن عنصر الجذب الأقوى في علاقة الهند بإسرائيل هو التفوق التكنولوجي للأخيرة في مجالات التصنيع الحربي وقدراتها العسكرية المتطورة وخبراتها الأمنية والاستخباراتية، وبذلك أصبحت علاقتها بإسرائيل ترتكز في الأساس على قناعتها بهذه القدرات والإمكانات والخبرات، ومع مر الأيام فإن هذه القناعة قد تترسخ وتتعمق، ما سيؤدي إلى تصاعد اعتمادها على إسرائيل كمصدر للتسلح، وبالنتيجة ازدياد حاجتها واعتمادها على الخبرات الإسرائيلية للتدريب والصيانة والتطوير للأسلحة والأنظمة الدفاعية التي اشترتها منها وتوفير قطع الغيار لها.
ولذلك فقد بات على دول مجلس التعاون الخليجي سرعة التحرك والسعي للتأثير على مسارات هذه العلاقة والعمل على الحد من توسعها وتجذرها، مع إدراكنا التام أن دول مجلس التعاون وحتى الدول العربية مجتمعة، ولأسباب معروفة، غير قادرة على الإحلال محل إسرائيل؛ لعجزها عن توفير البديل لسد حاجة الهند إلى الأسلحة المتطورة والتكنولوجيا العسكرية المتفوقة في الوقت الراهن على الأقل.
إلا أن ذلك لا يمنع من تدارك الأمر، فلا يوجد شيء اسمه المستحيل أو اليأس في السياسة والعلاقات الدولية. إن حاجتنا إلى إرساء وتوثيق علاقات إستراتيجية مع الهند كقوة إقليمية كبرى أصبحت أكثر إلحاحًا؛ نظرًا لأهمية تقليص اعتمادنا على الغرب فقط لتغطية احتياجاتنا الأمنية والسياسية، وفي هذا السبيل فإن على دول مجلس التعاون أن تستنهض وتطور الثوابت الكثيرة الراسخة في علاقاتها مع الهند مستندة إلى قوة وصلابة هذه العلاقات وامتداد جذورها إلى أعماق التاريخ وارتباط الطرفين بقرب جغرافي، ووشائج إنسانية وحضارية ومصالح اقتصادية واسعة ومتشعبة أبرزها حجم مرتفع للتبادل التجاري يفوق معدل 120 مليار دولار في العام (مقارنة بمعدل 4 مليارات دولار حجم التبادل التجاري السنوي بين الهند وإسرائيل)، واعتماد الهند على دول المجلس لسد 60 % من حاجتها المتزايدة من الطاقة، ووجود أكثر من 7 ملايين عامل هندي في دول المجلس يحولون ما معدله السنوي أزيد من 40 مليار دولار للخزينة الهندية وغيرها من المصالح الأساسية، هذه الثوابت القوية تحتاج إلى الإسناد والتدعيم بتطوير وتنمية وتوطيد الروابط العسكرية والأمنية بين الطرفين مثل التعاون في الأبحاث والتطوير والتصنيع الحربي المشترك، ومكافحة الإرهاب، وتبادل الخبرات والمعلومات الأمنية والاستخباراتية، والتعاون في مجال الأمن البحري لمواجهة التهديدات الإرهابية والقرصنة البحرية وتأمين المنشآت النفطية البحرية، وإجراء تدريبات ومناورات عسكرية مشتركة مع قوات درع الجزيرة، وتعيين ملحقين عسكريين في سفارات الطرفين، ودعوة الهند لتكون عضوًا مراقبًا في مجلس التعاون وغيرها من الخطوات التي ستشكل ركائز ثابتة لعلاقات إستراتيجية متينة مع الهند.
إن الهند تدرك، بلا شك، حساسية تنمية علاقاتها بإسرائيل وتأثيرها السلبي على علاقاتها بدول المجلس، وتدرك أيضًا عمق الثوابت والأواصر والمصالح الحيوية التي تربطها بدول المجلس، وتدرك كذلك أن هذه الدول وخليجها العربي تقع ضمن المجال الحيوي المجاور لها وليست إسرائيل، وهي حريصة أيضًا على إبعاد النفوذ الصيني عن هذه المنطقة، كما أن الهند تدرك أن التكنولوجيا والأسلحة والأنظمة الدفاعية الأميركية أفضل بكثير من الإسرائيلية، إلى جانب الأسلحة الروسية.
إن الهند ودول مجلس التعاون مجتمعة هي أكبر مشترٍ للأسلحة في العالم وهي تنفق مجتمعة حوالي 150 مليار دولار في السنة على شراء الأسلحة، فلماذا لا يتم اتفاق ثلاثي الأطراف بين الولايات المتحدة ودول المجلس والهند يتم بموجبه توحيد شراء الأسلحة لدول المجلس والهند من الولايات المتحدة؟ وبهذا الاتفاق يمكن لدول المجلس والهند الحصول على أسعار تفضيلية تفرضها ضخامة حجم المشتريات، وعندها تستطيع الهند الاستغناء عن شراء الأسلحة الإسرائيلية.
نتمنى لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء بالمملكة العربية السعودية الشقيقة كل التوفيق والنجاح في زيارته المقبلة للهند في التاسع عشر من هذا الشهر.