يعد الابتكار الاجتماعي أحد أهم أسباب تطور الأمم، ويعتمد في أساسه على الوعي المجتمعي تجاه عدد من المشاكل أو النواقص المحيطة بالمجموعات والتي تشكل خللا في اكتمال دائرة الإتقان التي غالبا ما تسعى إليها الأغلبية، وعليه فإن تحديد المشكل والإيمان بأهمية سد الثغرات والتفوق عليها أولى أشكال الابتكار إلى أن يتم بطريقة تراتيبية تعتمد على وضع التصور ومحاكاته ومن ثم العمل التجريبي ثم الممارسة وقياس رجع الصدى تجاه أي من التجارب إلى الوصول إلى حالة الرضا واستمرارية التطوير.
وكان في حديث رائدة العمل التطوعي السيدة محفوظة الزياني دليل قاطع على المنهجية العلمية التي وضع على أساسها فكر الابتكار المجتمعي، حيث شرفتنا مشكورة بإلقاء محاضرة في جامعة الخليج العربي تتحدث فيها عن تجربتها في العمل التطوعي الذي تخطى كل التصورات وساهم بشكل أساسي في نهضة المجتمع البحريني الحديث، وسأقتبس من حديثها هنا ما يشغلني كامرأة وأم في المقام الأول رغم أن جميع محاور حديثها يثبت بشكل جازم أهمية العطاء في تنمية عجلة المجتمع عن طريق إيمان ذاتي رصد الظروف الآنية وخطى بالمجتمع إلى ما نحن عليه الآن.
تقول الزياني وهي من مؤسسي جمعية رعاية الأمومة والطفولة إن الجمعية ارتأت أهمية إقامة حضانات في الثلث الأخير من القرن المنصرم مع خروج الأمهات إلى سوق العمل والحاجة إلى إيجاد دور حقيقي لرعاية الأطفال أثناء فترة تواجد الوالدين خارج المنزل، وكعادتها عملت هي ومجموعة من رائدات العمل التطوعي على إقامة الدور الذي شهد إقبالا شديدا لم يكن متوقعا، وجاءت الفكرة بعد أن كان المجتمع قد تخطى مرحلة خطيرة كانت متمثلة في تعليم العديد من الأمهات كيفية رعاية أطفالهن الرضع بعد رصد حالات وفيات عديدة للأطفال في بيوتهم على الرغم من خروجهم من المشفى سالمين معافين، وسأقارن حديث الزياني بمقالي السابق الذي تحدثت فيه عن رياض الأطفال وما نعانيه نحن كأسر من أعباء مادية جمة ومخرجات لا تتناسب مع المعطيات التي طلب منا توفيرها.
وأطرح سؤالا بحاجة إلى بحث حقيقي حول ما آلت إليه عجلة التنمية التي التهمت بذور العطاء الذي تم زرعه من قبل هذه السيدة وغيرها إلى ما نحن عليه الآن من مشكل حقيقي يستوجب الالتفات إلى تجربة مجتمعية حقيقية غرست بذورها السيدة محفوظة الزياني وغيرها وباتت المدنية تقف بالمرصاد لها.