لا يوم كيومك يا أباعبدالله، وأنت تقدم قرابين الحرية، والكرامة قناديل على بوابة الألم. شلوٌ يكتنز قصة تاريخ، وخنصر يشير لمجد تعبأ حكايات فداء، وجواهر علم، وسلسلة ذهبية من آل هاشم. أرادوا اختصارك في مذهب، فكنت شعار كل المذاهب، لأنك الإنسان تظلل كل الأمم بقيم كونية تختصر الوجود مثلاً وقيمًا ومبادئ. ينشدك الزمان أنشودة كبرياء، لا تتعلق بمنصب، ولا تركن إلى جاه، ولا تستسلم لبريق مال أو تنحي مشاعر قلب لبشر ضعيف. كان بإمكانك أن تكون المكتنز فضة وذهبًا، وماذا يغني المال إن تلاشت النفس، وصغُر الحب، وتحطمت الإخوة أمام مصالح ضيقة. فليس كثير المال يعني فائض سعادة، وإلا لماذا يكثر الموت النفسي لدى الأغنياء. فالنفس البشرية تحتاج إلى اطمئنان إلهي وعلاقة حب متوازنة بين البشر وتناغم مع الكون وإلا أصبحت تائهة وهي تتلقى طعنات القدر. لم يكن الحسين ع متعلقًا ببشر، ولا بإكسسوار صورة تدور مع الكون إعلاميًّا، كان متعلقًا بالله، ويكفيه هذا ابتعادًا عن كل أمراض البشر النفسية. وكان أخوه أبو الفضل العباس مرتبطًا بالحسين أخوة وصداقة بلا شروط، بلا بريق دنيا أو لمعان مصالح، لهذا أثر العباس الحسين حين وصل إلى شط الفرات وأبى شرب الماء. صورة من صور كربلاء تجسّد لنا أهمية العلاقات البشرية بلا مصالح، بلا حياة فردية تقوم على غطرسة ((الأنا))، وتضخم نرجسية الذات. ونحن نعيش في عالم يقوم على تعملق العلائق المادية حيث الابن يشتكي على أبيه في المحكمة والأخ على أخته، نجد الحسين كيف يحمي زينب من ألم الواقع وسطوة الحياة. علاقة العباس ع مع الحسين تعطي صور ة حقيقية لاحتياج الإنسان إلى أخوة صادقة بلا أهداف خاصة أو مصالح. الحسين ع هو تلاقي وجود، وحضارة في الاختلاف، وسمو في المعنى، عقل يتحرك على الأرض، علم يبحث عن فرصة سعادة، وسطية دينية تقبل بتغير الزمن دون إلغاء للأصول. الحسين ع جمال محيّا وسلام روح، وانسجام بين القول والفعل. وكي نفهم عاشوراء يجب أن نقرأها بمنطق العقل، والتوازن المعرفي دون خروج الحدث من سياقه التاريخي، دون أن نفقد قيمة معانيه وسمو النبل والعطاء الذي تدفق فيه. هو يوم عاشر حيث تتلاقى المبادئ لتصور سمو المعنى مع سمو الروح.