+A
A-

المقاهي الشعبية ضمن خطّة الثقافة في البحرين

تقوم استراتيجية الثقافة على ركائز أساسية منها الحفاظ على عناصر التراث الوطني، الترويج لها والعمل على تكوين بنيةٍ تحتيةٍ ثقافية تضمن استدامتها للأجيال القادمة، ومن هذا المنطلق جاء اهتمام هيئة البحرين للثقافة والآثار (منذ أن كانت وزارةً)، بواجهة البحرين الحضارية عبر العناية بالأحياء والمدن القديمة وما تحويه من مبانٍ وبيوت وأسواق ذات أهمية تاريخية وذلك ضمن جهودٍ ركّزت بشكلٍ خاص على المقاهي الشعبية وما تقدّمه من أطباقٍ بحرينية باتت جزءًا من ذاكرة الجزيرة.
وتُدرك هيئة البحرين للثقافة والآثار ما يلعبه الموقع الجغرافي الاستراتيجي لمملكة البحرين من دورٍ مهمٍ في إغناء المائدة المحلية بعناصر متنوعة من الطعام، حيث يتّصف المطبخ البحريني بشكلٍ عام بالبساطة والتداخل العفوي للنكهات. لذلك فقد عمدت الهيئة إلى إطلاق عددٍ من المبادرات لصون هذا التراث المرتبط بحياة الإنسان البحريني حتى اليوم.
وجاء ترميم المقاهي الشعبية في إطار سعيها المستمر لتفعيل دور المباني ذات الأبعاد الثقافية والاجتماعية، واهتمت الثقافة بملف إعادة إحياء عددٍ من المقاهي الشعبية لاسيما في مدينة المنامة التي اشتهرت بتردد سكّانها وسكّان المدن المجاورة لها على المقاهي والأسواق الشعبية، حيث قامت الثقافة بالمساهمة في ترميم "قهوة حاجي" وقهوة عبدالقادر في موقعين بالمنامة في العام 2013. وتمثل الترميم في إعادة تأهيل الممرات المؤدية للمقاهي، والحفاظ على شكل المبنى الأصلي.
كما وتعمل هيئة البحرين للثقافة والآثار على تنفيذ قائمة تشمل مختلف عناصر التراث الوطني غير المادي كالأطباق التقليدية التي اشتهرت بها البحرين منذ القدم ولازالت تحتفظ بمكانتها المميزة في المائدة المحلية والخليجية.
في عام 2013 حين كانت المنامة عاصمةً للسياحة العربية، أقامت وزارة الثقافة (آنذاك) المهرجان السنوي للتراث في النسخة الواحدة والعشرين في موقع باب البحرين وجاء عنوان المهرجان "المقاهي الشعبية"، ليحتفي بالمقاهي البحرينية بشكلٍ عام ومقاهي المنامة بشكلٍ خاص، نظرًا لحضورها في المشهد الاجتماعي منذ ما يزيد عن قرنٍ من الزمان، وأيضًا لدور تلك المقاهي كملتقى لأهالي القرى والمدن من جميع فئات المجتمع.
كذلك عمل مهرجان التراث السنوي منذ انطلاقه في العام 1992 والذي يحظى برعايةٍ كريمةٍ وساميةٍ من قبل حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، عمل على تخصيص ركنٍ دائم للمقاهي الشعبية، كما يستمتع آلاف الزوار للمهرجان بتجربة تذوق الأطباق البحرينية.
وتم تخصيص مساحة مهمة لتوثيق العادات الشعبية فيما يتعلق بالمطبخ البحريني القديم، وما يصاحبه من عاداتٍ وتقاليد خاصة تميز بها الإنسان البحريني منذ القدم، وذلك ضمن مبادرة "التاريخ الشفهي" التي تُعنى بإحياء عناصر مميزة من ثقافة البحرين وتراثها الغنيّ، تُسجّل من خلالها شهاداتٌ لشخصياتٍ متخصصة في قطاعات الثقافة، التراث، الفنون، والأدب، والآثار، لتسرد كل شخصية كيف ازدهر كل قطاع حتى وصل إلى ما هو عليه في عصرنا الحالي، يتم حفظ تلك الشهادات في أرشيفٍ مصوّر تتناقله الأجيال كجزءٍ من ذاكرة الوطن.
وضمن توجهها العام لإبراز مختلف عناصر التراث الوطني ومن ضمنها فنون المطبخ البحريني، أطلقت هيئة البحرين للثقافة والآثار النسخة الأولى لـ "الطعام ثقافة" في 2016 على هامش معرض البحرين السنوي للفنون التشكيلية، واستطاعت هيئة الثقافة أن تخلق فضاءً مشتركًا يجمع بين الفنانين والطهاة، حيث يجتمعون في فرق عمل مكوّنة من ثنائيات (فنان وطاه) يعملان معًا لإدخال عناصر مختلفة من خيرات البحرين الطبيعية ومزجها مع أعمال فنية استثنائية ليحظى الجمهور في النهاية بفرصة التعرف على ما ينتج عن تداخل فن التشكيل وفن الطهي بعيدًا عن ما هو مألوف.
وفي كل مناسبةٍ مهمة واستثنائية تستضيفها مملكة البحرين، وآخرها هذا العام 2018 (استقبال الوفود المشاركة في إطلاق المحرق عاصمة الثقافة الإسلامية، واجتماع لجنة التراث العالمي الثاني والأربعين)، تحرص هيئة البحرين للثقافة والآثار على إدخال عناصر التراث، ومن ضمنها الأكلات الشعبية ضمن برامجها الثقافية من خلال تعريف الوفود الدولية بالأطباق البحرينية الأصيلة والتي يتم تقديمها بأسلوب معاصر مع الحفاظ على الطعم الغني، وذلك بالتعاون مع المقاهي الشعبية المميزة كمقهى ناصيف، زعفران، آلو بشير، بالإضافة إلى حلوى شويطر.