أبا سلمان، وان زعيما تلهى بالجمال لا يمكن أن ينشغل بالقبح.
وليس غريبا عليك أن تكون الحضاري في اللجم، والأخلاقي في الردم، فلا تتعبك قناة سم، وأنت مهندس تغيير في محكمة الكم، وفيك يرتل نيتشه قراءته في توصيف الأخلاق بأنها “شجاعة القوي”.
وفي نظرية “العود الأبدي” هم أسطوانات مشروخة تكرر ذاتها في بهلوانات تقارير ممسرحة، أضحكت العالم لرداءة الإخراج، وفضيحة النص، واراجوزية الاتهام المضحك المبكي، لواقع عربي ينز ساديته ونرجسيته المنتفخة، وانويته المتضخمة تقارير استعراضية، تسعى لتخدير الوعي، أو الاستخفاف بعقل وذكاء الجمهور العربي في رزمة تقارير “كريندايزرية”، “أجاثا كرستية” عنترية، عجز العالم النفساني ايريك فروم من تشريحها في كتابه “تشريح التدميرية البشرية” أو عالم السوسيولوجيا، علي الوردي في فهم الطبيعة البشرية.
يقول نزار قباني: أنعى لكم كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة، أنعى لكم نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة.
والكل يعلم أن هذه الأنياب الإعلامية ليست خليجية، وإن طبخت في بعض مطابخها، وإنما تقارير مشخصنة لبعض كتاب نص، مؤدلجين، غير خليجيين هزيلين أنصاف مثقفين، يفضحهم الإخراج الكارتوني، ويدل على أنهم دخلاء على المهنة، يغلي بداخل الواحد منهم برميل حقد لا ثقافة معرفية، على وطن وزعيم رغم صغر أرضه إلا أنه مالئ الدنيا وشاغل الناس خليجيا وعربيا وغربيا.
حاكم حكيم، وفارس أريب، ومثقف أنيق، وطيار ماهر، وفي الطلعة والمحيا أجمل حاكم عربي عرفته المنطقة، فمن هذه صفاته يغيض براميل حساد، ويستثير توقد أفئدة.
وكل هذه الهجمات تعكس جاذبية الإحباط الثقافي والإعلامي بعد تجريح القناع الاسلاموي المسيس من قامة حاكم أثث بلاده بالإصلاح المبهر بنكهة الليبرالية المنضبطة، وهو الذي كسب العرب والغرب بمنهجه التسامحي، وبفتح مؤسسات عالمية للحوار والتعايش السلمي، فأين هو الانقلاب؟ فهل ثمة بندقية بحرينية تسربت لمليشيات ليبية؟ وهل هنالك “بنك” بحريني وزع مالا على فرقاء سياسيين بتونس؟ وهل ثمة رداء لحكومة بحرينية هرب بميناء للتغطية على حوثي باليمن؟ وما سمعنا أن دينارا حكوميا واحدا تسرب للبنان لحزب الله أو أمل ليصنع اقتتالا، أو يمسح وجه بندقية؟
حمد يؤسس كرسيا حضاريا بأكبر جامعة في إيطاليا، حمد يعلن عن مركز للحوار في لوس انجلوس ويدشن في البحرين، حمد يزرع مدارس بغزة تستقبل دموع أطفال، لا يوزع صواريخ، حمد يرسم لوحة، ليس عنده وقت لا إلى قندهار ولا إلى الموصل أو “الضيعة”!
هذا حمد، وتلك مملكته، وهذه حكومته وهذي فلسفته الوجودية لكون يرسم أملا في أبدية خالدة.
نحن ضحايا الانقلابات!
ملك ومنذ أمد بلاده أول ضحية لمراهقات السياسيين، منذ كبريت القومية وقداحات الشيوعية، والبعثية، وليس انتهاء بالسيكوباتية الإجرامية والنزعة المتوحشة لإيران.
ولا يزال يطفئ الحرائق، وينزع المخالب المهربة، والأصابع المستعارة، نعم الانقلابات لا تخرج من المنامة، بل هي ضحية المؤامرات إن كان هناك قارئ ناقد للتاريخ والحاضر.
نحن ضحية المؤامرات، خصوصا في 2011، والقنوات ترقص على وجعنا المتشظي غرس خنجر، نحن ضحايا أنصاف المثقفين، حين شهدنا دولا، وسفارات وقنوات، وحين راح أوباما المتردد، والطارئ على الحكم يوزع منشيتات ديمقراطية الدم، والفوضى، ونشر السجاد الأحمر للإسلام السياسي الإخوانجي والايراني، وكما قلت “حين تحولت الحناجر إلى خناجر، والنفوس إلى سيوف، والرجال إلى نبال، والمساكين إلى سكاكين، أصحاب التراجيديا الإغريقية بركيزتيها حزنا ووجعا”.
حكم حمد لم يواجه الجنون بالجنون، بل قال يكون شعب حيث أكون، أخفى الجرح، وكسر الرمح، وظل مشغولا لثمان سنين عجاف، ينزع الشوك من على ذراع الوطن، إنها حكمة القبطان حين يراهن على بناء دولة الإنسان، لا تظنوه زعيما كبقية الزعماء، فسحر استثنائيته حول الألغام إلى أنغام، لذلك اتعب، وروض وحشية إيران. فمن كان يصدق أن البحرين ستنجو كسفينة من الغرق؟ هنا تكمن المعجزة، ليس في كسر عزلة أو مقاطعة، بل تفكيك مؤامرات مثعلبة بلبوس حضارات.
فكك حمد مسرحيات الربيع، وانتصر للبحرين لتيقنه أن الانتصارات المؤقتة، والوهمية هزيمة ثانية ولو بنكهة انتصار.
علمنا التاريخ أن محاولة تمثيل البطل الأسطوري، ولو بتخريب البلدان تقود إلى نهاية تراجيدية، ودراما قاتلة كما حدث لعبدالكريم قاسم، وما حدث للقذافي، وعلى عبدالله صالح. ليعلموا أن حمد بن عيسى يبحث عن علاقات لا إعاقات، وما أتعس العلاقة إذا كانت إعاقة، لهذا أسس منهج الإصلاح في العالم العربي، ودعا بخطاباته رفض أي خطاب ممسرح يتخفي خلفه “الأنا الإبليسية أو الفرعونية” التي تستحضر ايديولوجيا التوحش، والتي تعزز سنة الذبح، وطقوس التوضؤ بالدم، وهو القاري لفرويد كتاب “قلق في الحضارة”.
حمد ليس مسؤولا عن “متلازمة القلب المكسور” للشارع العربي بعد الربيع، فما هيج، ولا روج، كان كالطبيب يعالج بعقاقير حكمة الخطاب، فما وزع مذيعين، ولا دربت حكومته ميلشيات، ولا قاد لصناعة الألم لقنوات تقتات على أفئدة الجوعى، ومعطوبي الأحلام.
لم يبن معاهد سياسية على شكل رصاصة ، ولا طبخ مثقفين بتتبيل حضاري، ولا جرائد ميلشياوية بسبحة، ولم يعملق مثقفين ليكونوا “إنجيل” ثورات خيبة الربيع.
فأين هو الانقلاب؟ حمد غير مسؤول عن صدمة فشل مشروع انقلاب الربيع، أو اضطرابات ما بعد الصدمة، وحالة الإنكار والاكتئاب السياسي الذي حل بكل من نفخ في المشروع، وأعراض الاضطراب، وتلف جهازهم العصبي والنفس، أو عن نزعة الانتحار بعداء كل الخليج أو العرب، أو تعاطي دول الانقلابات الحزن بالأقراص والإحباط بالحقن القاتلة.
كان مشغولا في حضرة الوطن بترميم الذاكرة والجرح الغائر، حمد زعيم تناغى مع التوازن الكوني والفطري، أن الإصلاح الحضاري، ودعم الشعوب بالعقل والمعرفة هو بداية لصناعة الحضارة، وتفكيك شفرات انسداد التاريخ.
قائد، عشرون عاما والمحاولات تترى لاغتيال السمعة، فلا السمعة اغتيلت ولا الجمال تآكل.
أبا سلمان، إذا كان هناك من سقط في الحفر، هناك من ينظر إلى النجوم. مع التحية لأوسكار وايلد ولك قبله تغرس الفرح على حد الخنجر.