العدد 2796
الجمعة 10 يونيو 2016
banner
العاشر من يونيو واختلاف الرجال
الجمعة 10 يونيو 2016

اليوم هو العاشر من يونيو الذي تمر فيه الذكرى التاسعة والأربعون على عودة عبدالناصر عن قراره بالاستقالة استجابة للهبة الجماهيرية التي حدثت خلال اليومين السابقين وبعد أن أقر هو نفسه بالنكسة التي منيت بها القوات العربية على يد العدو الصهيوني إثر العدوان الذي بدأ في الخامس من يونيو 1967.
كثيرون من أعداء الأمة حاولوا كثيرا التقليل من ذلك الحدث والقول انه كان عملية مدبرة وتمثيلية أخرجها عبدالناصر والمخابرات المصرية حينها لتفادي نتائج النكسة على النظام، وبحديثهم هذا كانوا يهفون فقط للنيل من عبدالناصر ولكنهم مع ذلك فشلوا، ولن نتحدث عن الكثيرين من الأحياء الذين شاركوا في تلك الهبة الجماهيرية وتحدثوا عن عفويتها وليس تدبيرها، ولكن نتحدث أو نشير فقط إلى حال الأمة اليوم والعودة للحق، بعد ما حدث مؤخرا، وللمبادئ التي عملت ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 على تحقيقها حتى وفاة قائدها، هذه العودة للإقرار بصحة تلك المبادئ وحدها كفيلة بالرد على اعداء الأمة الذين تحدثوا عن مؤامرة العاشر من يونيو 1967.
ولكننا في هذه العجالة لا نريد الرد على المشككين في خروج الشعب المصري مطالبا بعودة عبدالناصر عن الاستقالة، بل نريد التطرق إلى معنى ما حدث في تلك الأيام، فما حدث أنه في يونيو 1967 حدث اعتداء من العدو الصهيوني على ثلاث دول عربية مرة واحدة او استطاع ذلك العدو هزيمة هذه الجيوش العربية (لأسباب ليس مكانها هنا) واحتل اجزاء كبيرة من الأرض العربية في الأردن وسوريا ومصر تزيد في مساحتها عن فلسطين المحتلة.
بعد ذلك خرج رئيس مصر حينها وحيدا مقرا بتلك النكسة العربية والهزيمة العسكرية متحملا كامل المسؤولية كونه المسؤول الأول في الوطن ومتخليا عن جميع مناصبه ومستعدا لأي شكل من أشكال المحاسبة يراها الشعب المصري وراغبا في العودة إلى صفوف الشعب كواحد منهم وليس رئيسا لهم، إلا أن الشعب العربي في مصر وباقي أجزاء الوطن العربي رفض تلك الاستقالة وخرج للشوارع بصورة تلقائية وإرادة ذاتية مطالبا عبدالناصر بالعدول عن تلك الاستقالة والعودة لقيادة الأمة لتحرير الأرض المحتلة وفلسطين، هذا ما حدث في مصر، اما في سوريا فلم يتقدم مسؤول واحد إلى الشعب عارضا استقالته ومقرا بالمسؤولية عن ما حدث، فما معنى ذلك؟
ذلك يعني أولا وجود قيادة شعبية حقيقية في مصر ليست متوفرة في الأماكن الأخرى، وأن هذه القيادة مرتبطة بالشعب اكثر من غيرها وتعي ما يريده الشعب على العكس من الآخرين، وأن هذه القيادة لم تتهرب من المسؤولية عن النكسة بل أقرت بها وبنتيجتها، لذلك رأت أن تعود إلى الشعب ليكون الحكم والفيصل ويحدد ما يريد في صورة ديمقراطية شعبية لم تعرفها المنطقة العربية ربما حتى اليوم، وأن هذه القيادة لم تكن من النوع المتمسك بالكرسي ولكنها كانت متمسكة بالمبادئ الشعبية التي نادت بها منذ البداية، لذلك فهم الشعب العربي الموقف من خلال فهمه لفكر القيادة وخرج للشارع رافضا الهزيمة العسكرية ومطالبا بالتحرير والتمسك بالقيادة التي يعي انها ستكون قادرة على قيادة الأمة لتحرير أرضها. ويعني ذلك ثانيا ان القيادة في تلك الفترة – ونعني بها عبدالناصر – كانت تضع مصلحة الأمة فوق كل شيء ومقدمة على كل شيء بما فيها المصالح الفردية – التي طغت بعد ذلك وبعد أن غابت تلك القيادة – فتلك المصالح لم تكن موجودة في أية خطوة خطتها تلك القيادة، لذلك قدم عبدالناصر مصلحة الأمة وتقدم باستقالته وتحمل المسؤولية بالرغم من كل الإنجازات التي قام بها، وهي الإنجازات التي كان يعيها الشعب العربي ودفعته للخروج إلى الشوارع حينها.
ثم ثالثا فإن ذلك يعني ان الشعوب تعي جيدا ما يحدث وتعي ماذا تريد ولا يمكن تغييبها أو التقليل من قدرتها وفهمها الأحداث، ومن ذلك ان الشعب العربي كان على وعي كبير باستحالة وجود قيادة أخرى غير عبدالناصر في ظل الظرف الذي تمر به الأمة على الأقل، وهو – اي الشعب – لا يستطيع ان يضع ثقته في غيره، وكان قد فهم الأمر بشكل صحيح وتراجع عبدالناصر عن استقالته تحت الضغط الشعبي، وأنتج بعد ذلك قدرة عسكرية أذاقت العدو الصهيوني الهزيمة لولا وجود قيادة سياسية حينها وبعد عبد الناصر (عام 1973) عملت على سلب ذلك النصر معناه وأفقدته قيمته.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية