العدد 2773
الأربعاء 18 مايو 2016
banner
لماذا يتقاعد المعلمون مبكراً؟
الأربعاء 18 مايو 2016


 كان حدثاً صادما بالتأكيد أن يقرّر المئات من المعلمين والمعلمات مغادرة سلك التدريس. طلبات التقاعد بهذا الحجم تعد ظاهرة ليست اعتيادية أبداً قياسا بما كان عليه الحال قبل عام أو أعوام سابقة. أما الذي يثير الاستغراب بصورة أشدّ أنّ بين هؤلاء من لم تتجاوز سنوات خدمتهم العشرين عاماً فقط. يبدو لنا أنّ الأزمة تتعدى كونها رغبة شخصية للتقاعد الى أعمق بكثير، بالنسبة إلينا فإنّ هذا أشبه برأس جبل الجليد لما يواجه المعلمين من معضلات وما خفي هو الأعظم.
 لا نعتقد أنّ ما أشيع من تعديلات جديدة لنظام التقاعد وإلغاء سنوات الشراء وحدهما ما دفع كل هذه الأعداد للتقاعد. المسؤولون بالتربية أرادوا استدراك الوضع بالاجتماع بأصحاب طلبات التقاعد وتقصي جذور المشكلة، لكن لم تكن لديهم القدرة على طمأنتهم على مستقبلهم الوظيفيّ فلم تزل الأغلبية تحمل قلقا بالغا على مستقبلهم. ولابدّ من الإقرار بأنّ القائمين على شؤون التربية تأخروا كثيرا في معالجة احوال المعلمين. إنّ المنتمين للهيئات التعليمية ومنذ سنوات يئنون من مآس لا حصر لها، إنهم يطلقون الشكوى تلو الشكوى لكن ليس هناك من يصغي اليهم، من أجل هذا تأخذ طلباتهم شكل الصدمة أو شكل الصرخة المدوية.
أعتقد أنه آن الأوان ليعيد المسؤولون بالتربية كيفية التعاطي مع هذا الانسان أي المعلّم. المعلمون بُحت اصواتهم وهو يطالبون من بيدهم القرار بوزارة التربية بتوفير بيئة تعليمية إضافة الى اعادة الهيبة للمعلّم جراء ما لحق به من اهانة. ليس هناك من يستطيع أن يتجاهل أنّ المعلمين فقدوا هيبتهم كمربين أمام طلابهم بل حتى شخصياتهم. فالقوانين الصادرة بين آونة وأخرى تمنعهم حتى من حق ابداء آرائهم فضلا عن الاعتراض، وكلما ارتفع صوت أحدهم بأنّ القرار لا يصب في صالح العملية التربوية وجد الردّ من ادارته يقول: اسكت نحن أدرى بصالح التعليم وكل شيء على ما يرام! إنّ امنيتهم لو استعيدت صورتهم الناصعة وشخصيتهم القوية التي كان يتمتع بها أسلافهم قبل عقود داخل المدرسة وخارجها.
هل نستمر في المصارحة؟ القرارات أصبحت عائقاً أمام المعلمين في النهوض بمهامهم بل الأدهى أنّها جعلتهم أشبه بالإنسان الآلي يتعاطى مع مهنته دون حماس وهذا كما يدرك الجميع يفرغ التعليم من اهم عناصره أي الدافعية للعمل، فهل هناك معضلة اشدّ من هذه المعضلة؟
ليس بوسع أحد ممن يرصد الأوضاع التي يمر بها المعلمون أن يغفل سوء احوالهم، ومن يتأمل ما تصدره الوزارة من قوانين دون مشاركة المعلمين فإنه يجد دون اي عناء انها تكرس المزيد من تراجع شخصية المعلم، ولا تحمل اي جديد لتعديل اوضاعهم، بالطبع هناك مطالب للمعلمين إلاّ انّ المحزن أنه لا أحد يستمع اليهم ولا أحد تهمه اوضاعهم. فالوزارة يهمها أن يستمر اليوم المدرسيّ وأولياء الامور يهمهم ان يعيش ابناؤهم مدللين والإدارات المدرسية تريد الدوام بلا نقص اما المعلم فلا احد يصغي الى همومه، ولا ادّل على ما نقول الاّ القرار الصادر قبل اسبوع فقط من قبل ادارة التعليم الاعدادي الذي يمنع “توبيخ الطلاب”! ومحذرة في الوقت ذاته من عقوبات! المعضلة انّ هناك من الطلبة من يفسر القرار لصالحه فيعمد الى اثارة المزيد من الفوضى في الفصل! ويعني في الجهة المقابلة اهدار كرامة المعلّم.
نستطيع ان نجزم ومن واقع معايشة مهنة التعليم لعقود طويلة أنّ تذمر نسبة منهم وما يدفعهم الى التقاعد “قبل المبكر” إنما مردّه الى ما يواجهونه من اهمال وسوء معاملة من جميع الجهات الادارة المدرسية وأولياء الأمور والطلبة معاً.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية