العدد 2769
السبت 14 مايو 2016
banner
المدارس تقتل الإبداع!
السبت 14 مايو 2016

إنها ثقافة “نفسي نفسي” أو “أنا ومن بعدي الطوفان”، ولعلّ أبناء جيلنا يتذكرون عندما كنّا أطفالاً حيث يأتون بعشرة كراسي لعشرة أطفال ويقولون للأطفال إنّ الرابح هو من سيحصل على الكرسيّ أما من يبقى بدون كرسيّ فإنه خارج اللعبة، ثم يقللون عدد الكراسيّ في كل مرة فيخرج طفل كل مرة حتى يبقى طفلٌ واحد ويتم الإعلان عن أنّه الفائز. السؤال هنا ما الذي يمكن للطفل أن يستوعبه من هذه اللعبة؟ أو ما هي القيمة التي من الممكن أن تقدمها هذه الثقافة؟ لعل الذّين نظموا هذه اللعبة فاتهم سؤال في غاية الأهمية هو التالي “هل لكي أنجح عليّ ان أزيح غيري؟”.
وبالمقارنة بما يتعلمه اليابانيون نجد أنّ الوضع مختلفٌ تماماً. ففي رياض الاطفال يلعبون لعبة الكراسيّ ايضاً ويأتون بتسعة لعدد عشرة أطفال أيضاً لكنّ الفارق يكمن في أنهم يقولون للاطفال: إنّ عددكم أكبر من عدد الكراسيّ فإذا بقي احدكم بدون كرسيّ فالجميع خاسرون.
وهنا يحاول جميع الأطفال احتضان بعضهم البعض حتى يستطيع عشرة اطفال الجلوس على عشرة كراسيّ، ومن ثم فإنّهم يقللون عدد الكراسيّ تباعاً، مع بقاء قاعدة انهم يجب ان يتأكدوا ان لا يبقى احدهم بدون كرسيّ وإلاّ خسروا جميعاً. إنّ الذّي اراده اليابانيون للطفل تعلمه هو ثقافة “أن لا نجاح لي دون مساعدة غيري على النجاح”. يؤكد المراقبون نجاح هذه الثقافة في الشوارع وأماكن انجاز المعاملات المزدحمة وفيما يجب أن يكون طابوراً.
أعتقد أنّ المسألة لم تعد مقتصرة بمجال اللعب وحده بل القضية من الاساس ترجع الى ما يلقنّ للأطفال في المناهج المدرسية. فالذي لاحظه المربون أنّ اغلبية المقررات تنميّ لدى ابنائنا ثقافة الفردية أو الأنانية المفرطة، وهنا تصبح من الضرورة إعادة النظر في بناء المناهج التعليمية التي تفتقر الى قلة المهارات التي تنمي لدى الأطفال الإبداع والابتكار. بالطبع انّ المسؤولية تقع على كاهل المعلمين انفسهم بعدم ادخال انشطة كافية لتنمية الابداع والانتاج اضافة الى النقص في الانشطة المثرية للابتكار لدى الطلاب.
 قرأت ذات مرة لدى احد التربويين رأياً يؤكد فيه أنّ الثقافة القائمة على الاحادية وليس التنوع الذي يتميز به المجتمع إنما مردها ضعف المخرجات التعليمية من جهة وغياب الحوار المجتمعي والأكاديمي حول المشكلات التربوية، وهو ما أدى - طبقا لرأي التربوي – الى التركيز على مجالات إبداعية معينة.
 ثمة مقولة تردد على نطاق واسع في بلداننا العربية عامة مفادها “أنّ المناهج التعليمية تقتل الابداع” فالمناهج عقيمة والعلة تكمن في كونها لم تزل قائمة على الحفظ والتلقين. وإلاّ ماذا نتوقع من مناهج تتعامل مع التلاميذ وكأنهم آلات تسجيل يتم تفريغ ما حفظته وقت الامتحان؟ ناهيك عن كون البعض من المعلمين ممن اعتادوا اغلاق باب الحوار مع الاطفال منذ الصغر، متناسين انّ هذا الأسلوب في التعليم يقتل الذكاء اللغوي والاجتماعي فضلا عما يلجأ اليه آخرون ممن ينتمون للأسف البالغ الى سلك التربية والتعليم من تعمد تهميش الاطفال.
كثيرون لا تبرح ذاكرتهم مواقف بعضها ايجابيّة والأخرى سلبية لمن تعلموا على أيديهم وبالاخص في المراحل الابتدائية كما يروي احدهم قائلاً “لم انس كم أحبطني وأحرجني احد المعلمين امام زملائيّ وجعلني سخرية لهم، إنّ كلمته التي قالها لي في المرحلة الابتدائية تعليقا على موضوع تعبير كتبته “صفر على عشرة علشان لا تتفلسف مرة ثانية”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية