كفاءة بحرينية بتخصصات جراحية دقيقة ونادرة
اختصاصي جراحة الصدر د. حامد عقيل
إعداد: حسن فضل
د. حامد عقيل علي اختصاصي جراحة صدر مرخص طبيًا يعمل في مملكة البحرين. وهو كفاءة بحرينية بتخصصات جراحية دقيقة ونادرة. أمضى 13 سنة من الدراسة والتدريب حاز فيها على الطب العام وماجستير الجراحة العامة وماجستير جراحة الأورام ودكتوراه في الجراحة التخصصية - جراحة الصدر من جامعة سومي في أوكرانيا. عمل لمدة 7 سنوات أستاذا جامعيا ومحاضرا وأستاذا وطبيبا استشاريا في جراحة الأورام وجراحة الصدر في جامعة سومي الأوكرانية، وأجرى عمليات في جراحة الصدر والأورام، وعمل في قسم البحوث.
د. عيسى أمين استشاري المسالك البولية كان مرشده، ومديرة مدرسة العلاء الحضرمي الابتدائية للبنين عائشة عبدالغني كانت ملهمته.
لديه أكثر من 5 بحوث طبية عالمية في الجراحة تحت تخصص جراحة الأورام نشرت عالميًا ومعترف بها طبيًا مع براءة اختراع في الجراحة، وحصل على درجة بروفيسور وعالم في الجراحة، وهي أعلى درجة ورتبة علمية ومهنية وأكاديمية يحصل عليها طبيب أجنبي في أوكرانيا، وهو أول طبيب بحريني يتدرب على الجراحة الروبوتية في جراحة الصدر، وأول طبيب بحريني يتخصص في جراحة الصدر، ومرخص من الهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية.
ساهم د. حامد مع الكادر الطبي الأوكراني تحت إشراف كادر من الأطباء من الولايات المتحدة الأميركية وأطباء من ألمانيا في علاج مرضى السرطان المتضررين من انفجار مفاعل تشرنوبل وآثار الإشعاع النووي، ولديه شهادات إتمام التدريب لجراحة الصدر وجراحة الغدة الدرقية بمنظار. ويطمح لإجراء أول عملية زراعة رئة في مملكة البحرين.
كانوا يلقبونه في مدينة سومي الأوكراني بالطبيب الملاك، وأحيانًا الطبيب القديس؛ لإسهاماته الإنسانية في خدمة المرضى. «صحتنا» التقت به وكان لها هذا الحوار معه.
ما سبب اختيارك مجال الطب واختيار أوكرانيا بالتحديد؟
سبب اختياري مجال الطب هو خدمة الناس. كنت أحب قراءة الموضوعات الطبية، حتى ألعابي وأنا طفل في مرحلة الابتدائي والبرامج التي أشاهدها كانت برامج طبية. وسبب اختياري الدراسة في أوكرانيا، لأن أوكرانيا من الدول المشهود لها بالطب، وقدمت في الجامعة ونلت القبول، فالتحقت في أوكرانيا، وهناك انفتح لي مجال واسع بالمجال العلمي والدراسة والتخصص في الطب، وأشياء كثيرة تعلمتها وتعرفت على زملاء أطباء من الخارج.
وهنا تأخذني ذاكرتي إلى حفل تكریم الطلبة المتفوقین في مدرسة العلاء الحضرمي الابتدائية للبنين وكلمة أستاذتي الفاضلة مدیرة المدرسة الأستاذة عائشة عبدالغني حفظها الله ورعاها في حفل التكریم، وحثها لنا على طلب العلم النافع أینما وجد في أقصى الأرض وجلب آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا من علم في الدول الغربية والمتقدمة؛ من أجل بناء مجتمع قوي ومحصن قادر على حمایة نفسه، وتحقيق تقدمه وازدهاره لیواكب التقدم الحضاري. وختمت كلامها (أريدكم ترفعون علم بلادكم البحرین عالیًا أینما كنتم). لقد تأثرت كثيرا بكلام مدرستي وعاهدت نفسي على تحقيق كلامها إلى حقيقة، فبعد التخرج من الثانوية توجهت إلى دراسة الطب ومن ثم الدراسات الأكاديمية في الجراحة والتخصصية في الجراحة الصدریة وجراحة الأورام.
عرفنا أنك متخصص في تخصصات نادرة، كيف اخترت القسم المناسب؟ فمجال الطب به تخصصات عديدة، فلماذا اخترت قسم جراحة الأورام والصدر؟
هذا سؤال مهم؛ وسبب اختياري أنني كنت من البداية أعرف أن هذين التخصصين يحتاجان سنوات عدة من الدراسة حتى تتخصص فيهما. بداية حياتي درست الطب العام، وفي المرحلة الخامسة قبل مرحلة التخرج، وكما تعرفون دراسة الطب 6 سنوات، كان لدينا مقرر عن الأورام يدرس في الجامعة في قسم الجراحة، وكنت متفوقاً فيه، حيث حصدت أعلى درجة لطالب يحصل عليها في مادة الأورام. فأحببت المادة حيث كنت أعشقها وأميل إليها ومتفوق فيها، والأطباء هناك متعاونون من ناحية التعليم والتدريب.
وقتها كنت على اتصال دائم مع د. عيسى أمين استشاري المسالك البولية الذي كان يعمل في المستشفى العسكري، وهو الذي شجعني على دراسة الطب وكنت دائمًا على تواصل معه.
فقبل دراسة الطب ذهبت لعيادة د. عيسى أمين، وأخبرته أنني أريد دراسة الطب، وطلبت نصيحته، واستمعت لخبرته ونصائحه. وكل سنة كنت أعود فيها للبحرين، كنت أحرص على الذهاب إلى زيارته. حتى تخرجت طبيبا عاما، وعندما عدت ذهبت مباشرة إليه إلى العيادة، أخبرته أنني أنهيت دراسة الطب العام وطلبت نصيحته في اختيار التخصص المناسب وسلمته شهادتي، وعندما عاين درجاتي في علم الأورام وجدها مرتفعة فسألني عن ميولي، فأجبت "جراحة الأورام". فأخبرني أن هذا التخصص مهم جدًا ومطلوب في البحرين، والبحرين محتاجة إلى جراح أورام. في ذلك الوقت لم يكن موجودا جراح أورام، فكان قسم الجراحة العامة هو من يجري عمليات جراحة الأورام، بسبب عدم وجود جراح أورام وقسم جراحة أورام، فأخذت بنصيحته وتخصصت في جراحة الأورام، فعندما تنتهي من الجراحة العامة، تدخل في تخصص فرعي وهو جراحة الأورام، وأنهيت دراسة تخصص جراحة الأورام، وصادف أن كان رئيس القسم هو جراح صدر وجراح أورام، فرغبت أن تكون الدكتوراه في جراحة الصدر، وتخصصت في التخصص الفرعي الآخر جراحة الصدر، فالماجستير في جراحة الأورام والدكتوراه في الجراحة بالتخصص الفرع (جراحة الصدر)، هما تخصصان نادران.
ما الصعوبات التي واجهتها؟
كانت أولى الصعوبات التأقلم مع الجو البارد هناك، فكما تعلم أن الجو عندنا في البحرين حار، وأول ما فاجأني الجو، وحين وصلت كان باردا جدا. ولغة البلد لم أكن أعرفها، فالناس في الشارع وفي كل مكان يتحدثون باللغة الروسية والأوكرانية، كنت لا أجيدها وواجهت صعوبة في فترة دراستي، حيث كانت الدراسة باللغة الروسية، فالتحقت لدراسة اللغة الروسية، وبعدها التحقت لدراسة الطب، فاللغة كانت إحدى الصعوبات، فكنت بجانب قراءة الكتب الطبية باللغة الروسية أقرا أيضًا الكتب الطبية باللغة الإنجليزية، في البداية كنت أجد صعوبة ولكن مع الممارسة تعتاد.
كم استغرقت مدة الدراسة؟
مدة الدراسة كانت 13 سنة حصلت فيها على الطب العام والماجستير في الجراحة العامة وماجستير جراحة الأورام والدكتوراه في الجراحة التخصصية (جراحة الصدر).
هل عملت في أوكرانيا؟
نعم عملت لمدة 7 سنوات أستاذا جامعيا ومحاضرا وأستاذا وطبيبا استشاريا في جراحة الأورام وجراحة الصدر وأجري عمليات، وعملت في قسم البحوث.
ما أهم إنجازاتك في أوكرانيا؟
عملت أكثر من 7 سنوات وأجريت ما يقارب ٣٠٠٠ عملية في تخصص الجراحة الصدرية وجراحة الأورام، وقمت بتدريس طلاب السنة الخامسة مادة الأورام في قسم الأورام في جامعة سوم الحكومية، وكنت عضوا في الفريق العلمي الجراحي ومحاضرا وأستاذا في قسم الجراحة والأورام في الجامعة، كما كنت أعمل على تدريب وقيادة وتوجيه الجراحين الجدد والأطباء المقيمين بتخصص الجراحة والأورام، وكنت في الإدارة بقسم الجراحة.
لدي أكثر من 5 بحوث طبية عالمية في الجراحة تحت تخصص جراحة الأورام نشرت عالميًا ومعترف بها طبيًا مع براءة اختراع في الجراحة، وبراءة الاختراع كانت في اكتشاف نوع من أنواع الصمغ في الجراحة، وهذا الصمغ له أثر كبير في العمليات في التئام الجرح وعدم حدوث الالتهابات التي تحدث في الجراحة والمضاعفات، وأثمرت نجاح عمليات كثيرة، بجانب وضع معادلة رياضية لحساب المشكلات والمضاعفات في الجراحة، وكان هذا نوعا من أنواع العمليات المتضمنة براءة اختراع، فقد كانت تجرى على الرئة والقولون، والطريقة التي استخدمتها في هذا النوع من الجراحة في براءة الاختراع كانت محل اهتمام بالغ في الولايات المتحدة، وبحوثي موثقة في المكتبة الأوكرانية.
وكوني عضوا في الفريق العلمي الجراحي ولدي براءة اختراع حصلت على درجة بروفيسور وعالم في الجراحة، وهي أعلى درجة ورتبة علمية ومهنية وأكاديمية يحصل عليها طبيب أجنبي في أوكرانيا، وشرفت مملكة البحرين أيضا في المؤتمرات التي تجرى في أوكرانيا، وعلم البحرين كان مرفوعا هناك في الجامعة كوني أول طبيب بحريني.
وساهمت أيضا هناك مع الكادر الطبي الأوكراني تحت إشراف كادر من الأطباء من الولايات المتحدة الأميركية وأطباء من ألمانيا في علاج مرضى السرطان المتضررين من انفجار مفاعل تشرنوبل وآثار الإشعاع النووي، والمفاعل تشرنوبل انفجر العام 1986 وهذا الانفجار سبب أضرارا وآثارا على المنطقة هذه والناس، فكان عملا إنسانيا أن نعالج مرضى السرطان. وكون أن هناك أطباء من الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا هذا خلق لي فرصة لتبادل الخبرات والتعلم منهم، فكانت فرصة للتدرب وكسب الخبرات، ومساهمتي كانت في إجراء العمليات، مثال على هذا كانت هناك طفلة أجدادها كانوا قد عاشوا في هذه المنطقة، وكان عند البنت سرطان الغدة الدرقية بسبب الإشعاعات النووية التي كان لها آثار في الجيل الثالث والبنت كان عمرها 14 سنة.
ومن المهم أن أذكر أنني طوال فترة دراستي وحتى بعد عودتي للبحرين لم أتوقف عن التدريب، فذهبت لأوكرانيا للتعلم والتدرب على جهاز دافنشسي للجراحة الروبوتية للجراحة في الصدر، وأنا حاليًا أول طبيب بحريني أتدرب على الجراحة الروبوتية في جراحة الصدر.
وأتطلع أن يكون جهاز دافنشسي للجراحة الروبوتية في جراحة الصدر موجودا في البحرين؛ حتى يتاح لنا استخدام هذه التقنية والتكنولوجيا في جراحة الصدر، وهذه الجراحة متوافرة في الدول المتقدمة ومتوافرة في الإمارات حديثا، ونتمنى أن يتم توفيره في البحرين.
ما جهودكم في العمل الإنساني في أوكرانيا؟
كنت أبذل كل جهدي لإنقاذ الأرواح، فمعاناة مرضى السرطان كبيرة ومؤلمة، ويحتاجون لعلاج نفسي وجراحي، وأتابع المرضى وحتى لو اضطرني الذهاب لمنزلهم، وأحيانًا تكون مساعدات خيرية للأطفال في العلاج، فكما تعرف علاج السرطان مكلف، فمن لا يستطيع تحمل تكاليف العمليات وذوو الاحتياجات بنفسي أتكفل بإجراء العملية وبعلاجهم، وإذا كان بمقدوري أتكفل بمصروف الأدوية سواء بمدخولي أو التعاون مع الجمعيات الخيرية. كنت أجري العمليات الجراحية من دون مقابل للمرضى المحتاجين لوجه الله ولداعي الإنسانية، فالطب في المقام الأول خدمة إنسانية.
تحدث عن تجربتك في التدريب؟
كنت أعمل في الجامعة، وكان من ضمن المهام على عاتقي تدريب الأطباء الذين سيتخصصون في الجراحة في الأورام أو الصدر، وكان ذلك عبر إلقاء المحاضرات والإشراف على تدريبهم، وكذلك كان من ضمن أساليب التدريب تمكين الأطباء من مشاهدة العمليات الجراحية مباشرةً من مستشفيات جامعية عالمية لتبادل الخبرات والتعليم، وأتمنى أن يكون هذا النوع من التدريب في التخصصات الجراحية النادرة متاحا في البحرين، حتى نثري بالتطور الجراحي فنكون مواكبين للتطور والتكنولوجيا دائمًا.
عملت في قسم علم الأوبئة في قسم الجراحة الصدرية وعالجت حالات حرجة متعلقة بنقص الأكسجين والتهاب الصدر في مستشفى سومي قسم الجراحة سنة 2008 إلى 2015
كما عملت في مستشفى ناءٍ لمرضى السل، إذ إن مرض السل من أمراض الأوبئة وهو في منطقة نائية لكي لا ينتشر؛ وكان في نفس المستشفى حالات التهاب الصدر وسائل تحت الرئة، فمنحتني التجربة والخبرة في علاج الأمراض المعدية المتعلقة بالصدر والتعامل معها. لدي شهادات إتمام التدريب لجراحة الصدر وجراحة الغدة الدرقية بمنظار. وهذه طريقة متقدمة في العمليات تجرى ولا تترك أثرا، وهي عملية ممتازة بحيث لا تبقي أثرا، فعادة عمليات الغدة الدرقية تكون بفتح أسفل الرقبة وتخاط بطريقة تجميلية؛ لكن يبقى أثر؛ ولكن عملية جراحة الغدة الدرقية بالمنظار طريقة جدًا مميزة بحيث لا يبقى أثر.
عمليات المنظار تجرى لمن لديه ورم حميد؛ ولكن مع سرطان الغدة الدرقية لا تحبذ ولا تناسبهم هذه العملية؛ لأنه يكون هناك مكان انتشار للسرطان فيحتاجون للطرق التقليدية، وأما إذا كان الورم حميدا أو تضخما والأنواع الأخرى يمكن أن تجرى هذه العملية، وتترك أثرا نفسيا طيبا، ومن إيجابيتها أن الغدد جارات الدرقية لا تتأثر، فجراحة المنظار نستطيع القول إنها بشرى وأمل لمرضى تضخم الغدة الدرقية والورم الحميد.
بعد هذه الرحلة الطويلة من الدراسة والمساهمة في العلاج، والتدرج العلمي حتى وصلت لدرجة بروفيسور، ماذا يمكنك أن تقدم إلى البحرين؟
البحرين مهما تقدم لها لا يمكنك أن توفي جزءا من الخير الذي قدمته لنا، ولكن أسعى وأود أن أقدم لها خبرتي التي تعلمتها من ناحية التخصص في جراحة الأورام وجراحة الصدر وأساهم برفع وتطور المنظومة الطبية الجراحية في مملكة البحرين مع زملائي الأطباء، وأساهم في تدريب الأطباء في هذا التخصص، والبحرين دائما سباقة في جميع الأمور.
وأتمنى أن أستطيع إجراء عملية جراحة الرئة في العهد الزاهر لجلالة الملك وسمو ولي العهد رئيس الوزراء، خصوصًا مع الإنجازات العظيمة التي يشكر عليها سموه في جائحة وباء كورونا، فأتمنى أن تتاح لي الفرصة ونعمل معًا مع قسم جراحة الصدر على تجهيز طاقم مؤهل على مستوى عال من الكفاءة حتى نستطيع إجراء هذه العملية، فإذا وصلنا لهذا المستوى بحيث يكون عندنا جهاز الروبوت بجانب أننا نستطيع إجراء عملية زراعة الرئة في مملكة البحرين فستكون أول زراعة رئة في مملكة البحرين، فأتمنى أن تتاح الفرصة.
وأتمنى أن تتاح الفرصة كذلك لمواكبة عمل الخير مع المؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية التي يرأسها سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة حفظه الله، خصوصًا أن البحرين سباقة في عمل الخير، وأن يتاح لنا إجراء العمليات لمرضى السرطان ليس في البحرين فقط وحتى في خارج البحرين، فهذا سيسهم في خدمة مرضى السرطان، ونتعاون مع المؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية في إجراء عمليات لمرضى السرطان الذين لا يستطيعون التكفل بهذه العمليات كعمل خيري، خصوصًا هناك أطفال. وأشكر صاحبة السمو الملكي قرينة جلالة الملك الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة على دعمها الدائم لمرضى السرطان، وهي الرئيسة الفخرية لجمعية البحرين لمكافحة السرطان، ودعمها اللا محدود، وقد حضرت المؤتمر الخليجي المشترك السادس للسرطان بدعوة كريمة من د. عبدالرحمن فخرو استشاري الجراحة العامة ورئيس الجمعية.
كونك عملت في الجانب الإنساني، هل مرت عليك قصة إنسانية مؤثرة عالقة في ذاكرتك؟
أتذكر عندما كنت طبيب جراحة أورام في مستشفى الأورام، كانت هناك مذيعة من التلفزيون في المستشفى موجودة لإجراء لقاء، وبعد إجراء اللقاء كانت تتحدث عن وضع والدها، وتقول إنه متعب ويعاني من سرطان الحنجرة، وهناك دواء للعلاج ولم يكن متوافرا حينها في الصيدلية، فسمع طلاب الطب حديثها فأخبروها أن هناك طبيبا جراح أورام في السكن الجامعي قد يستطيع مساعدتها، فطلبت منهم أن يرشدونها إليه، فأرشدوها لمكان سكني، وطرقت الباب وكنت مندهشًا لكون هذه أول مرة يطرق الباب شخص غريب، فأخبرتني أنهم أخبروها أنني جراح أورام فوالدها مريض ويعاني من السرطان ويحتاج إلى علاج، والعلاج غير متوافر حاليا، وسألتني هل أستطيع مساعدتها، فأبديت موافقتي.
في اليوم التالي ذهبت للمستشفى ووفرت العلاج الذي طلبته واتصلت لها بعد يومين وحضرت المستشفى وسلمتها العلاج مجانا وشكرتني. مرت الأيام ووردني اتصال وذهبت للمستشفى فصادف أنها كانت البنت ذاتها، أمها أصيبت بسرطان الثدي وعاينتها وأجريت العملية لها مجانا والعلاج كان كله بالفحوصات وتكفلت لها بالعلاج إلى أن تشافت وكنت وقتها أستعد للدكتوراه، وكانت والدة البنت تدعو لي بالتوفيق في الدكتوراه بعدما أجريت العملية وتشافت المريضة.
بعد أشهر كان عندي مناقشة رسالة الدكتوراه وكنت سأقدمها بعد 5 أيام. ولكي تقدم الدكتوراه ينبغي أن ترتدي «بدلة»، ولم تكن عندي واحدة ولم تكن عندي القدرة المالية لشرائها، وكان عندي بدلتي عندما كنت طبيبا عاما، وكانت صغيرة. كانت علاقتي وطيدة بالمرضى حتى بعد شفائهم، فاتصلت بي والدة الإعلامية وسألت عن أحوالي وطلبت مني أن أزورها عند البيت وأعطتني العنوان وذهبت، ونزلت لي ابنتها، وقالت لي إن أمها تقول إنني لم أقبل أن أقبض أي ثمن للعلاج وساعدتها إلى أن تشافت وإنهم لا يعرفون كيف يشكروني، فأخبرتهم أنه لا داعي للشكر فهذا عمل إنساني وأنا أخدم الناس وأعالجهم ولم أعمل إلا الواجب، فأخبرتني بأن نذهب إلى السوق، فذهبت معها وتفاجأت عندما وصلنا إلى السوق أنه يوجد محل بدلات وأن أمها أوصتها أن تشتري لي بدلة وتريد مني أن أكون في أبهى صورة أثناء مناقشة الدكتوراه، كوني كنت وحيدًا ومغتربًا. أخبرتهم أنه لا داعي لهذا ومع إصرارها قبلت الهدية، وأخبرتني أنهم فخورين بي. ذهبت وناقشت الدكتوراه، وهذا موقف محفور في ذاكرتي وما زلت محتفظا بالبدلة.
وقصة إنسانية أخرى لبنت كانت تعاني من سرطان الجلد في اليد والأطباء قرروا بتر يدها. فحصت الحالة واستطعت تفادي بتر يدها وشفيت تماما، بحيث عالجنا الجزء المصاب دون الحاجة إلى البتر. طلبت مني البنت أن أكتب لها باللغة العربية عبارات حتى تتذكرني عند رجوعي إلى البحرين فتظل هذه الرسالة ذكرى جميلة. وعندما رجعت إلى البحرين ظلت تتواصل معي. والبنت الآن عادت لحياتها الطبيعية وتزوجت.
هل اهتم الإعلام الأوكراني بك كونك طالبا وطبيبا أجنبيا له إسهامات علمية وإنسانية وبتفوق؟
أذكر وقت رجوعي لأوكرانيا للتدرب على عمليات جراحات الروبوت، خرجت في الشارع وكنت معروفا في المدينة كوني الطبيب الأجنبي الوحيد في المستشفى الذي يعالج في جراحة الأورام، فالتقتني هناك بالصدفة مذيعتان من التلفزيون الأوكراني وأجرتا لقاء مباشرا وتحدثتا عن طبيب بحريني من مملكة البحرين خدم في أوكرانيا 7 سنين، كان أستاذا وطبيبا وأجرى الكثير من العمليات وساهم في خدمة المرضى في أوكرانيا ونفتخر كونه طبيبا درس وتخرج وعمل في أوكرانيا بإخلاص وتفان في علاج المرضى.
ما رد فعل المجتمع الأوكراني كونك طبيبا أجنبيا يقدم خدمات إنسانية؟
كانوا يلقبوني بالطبيب الملاك وأحيانًا الطبيب القديس، ويحترموني مع الشكر والامتنان، حتى الأكل يجلبونه لي من مزارعهم.. أتذكر في إحدى المرات سألتني مريضة عن مكان سكني، فأخبرتها أنه سكن الجامعة، وفي اليوم التالي تفاجأت أن صالة الاستقبال بالسكن اتصلوا بي وأخبروني أن هناك شخصا في الأسفل ينتظرني، فنزلت وتفاجأت بالمريضة ومعها خضروات وفواكه من مزرعتها وقالت «أنت وحيد وبعيد عن أمك في أوكرانيا، وأنت تساعدنا دون مقابل، فأتمنى أن تقبل هذا من مزرعتنا»، فشكرتها وهي كانت كبيرة في السن وخجلت لأنها قطعت المسافة لتوصل لي هذا.
المجتمع الأوكراني يقدرني كطبيب كثيرًا خصوصًا في مدينة سومي في أوكرانيا، وكانوا دائمًا يستضيفونني في منازلهم ويثون على إسهاماتي الطبية والإنسانية في خدمة المرضى في أوكرانيا وما زالوا ومع كوني في البحرين يبعثون لي رسائل ويطلبون استشارت،ي وكذلك الطلاب ممن درستهم يرسلون لي الحالات للاستشارة.