أصل في صباحي هذا لليوم الثلاثين لي بالدوحة، التي أنخت رحالي بها في اليوم الأول من هذا العام 2011... أنا اليوم أقف حائرًا لأنثر كلمات الوداع والانطباع، بيد أني قد أبدو حائرًا... فما عاصرناه وعايشناه من أحداث وانطباعات في هذا الشهر المنصرم لا يمكن اختزالها في بضع كلمات، أو عدد قليل من الأسطر.
إن كل من زار الدوحة من الرياضيين لا غرو إذا ما تمنّى ألا يخرج منها، لما عاشه من واقع رياضي مثالي بحت، ليس على مستوى ما يراه من منشآت وملاعب مزروعة صيرت قطر كما لو كانت مدينة العجائب المدهشة؛ بل لأن الأجواء المصاحبة لبطولة أمم أسيا والفعاليات، بالإضافة إلى الشخصيات المتواجدة... كل تلك الأمور تساهم في ارتقاء الجانب الثقافي لدى المتوافدين من إعلاميين وإداريين وغيرهم، كما تفتح المزيد من الآفاق المعرفية فيما يتعلق بالساحة الرياضية الآسيوية... هذا من جانب الاستفادة الشخصية، لكن ماذا عن الانطباعات التي خرجنا بها بعد إسدال الستار يوم أمس؟
نعتقد مما تجلّى لنا من موجة انفتاح وتنمية عارمة لدى القطريين أنهم سيركبون ذاك القطار الذي يسابق العالم على سكة الزمن من أجل الوقوف على إتمام كافة التجهيزات لاستضافة مونديال 2022، وليس بمقدور أي أحد إيقافهم عن ذلك، وما الذي يمنعهم أصلاً عن تحقيق كل تلك التطلعات؟ طالما أن المال موجود والعقول التي لا تعرف الانهزامية أو تهوى اختلاق الأعذار متوافرة.
وبطبيعة الحال، إن أشقاءنا القطريين يدركون تمامًا صعوبة المهمة القادمة، التي أكدوا أنها بدأت منذ الليلة الأولى لإعلان فوزهم بملف استضافة المونديال، ولعلّ أن أحد أسرار نجاحهم في الوصول إلى ما وصلوا إليه هو عشقهم للتحدي، ولتحويل كل ما هو حلم إلى حقيقة ملموسة على أرض الواقع... فقطر لم تعد تلك الدولة الصغيرة التي لا تملك سوى فندق واحد ومساحات محدودة من العمران... إنها نهضت لأنها رامت النهضة، وتفوقت لأنها عرفت الطريق الذي يوصلها للتفوق، فنمت واخضوضرت، وأثبتت أن تحقيق الأحلام لا يأتي عبر بيع الأوهام.
أودعكِ اليوم يا لوحة الإبداع... وأرحل عنك حاملاً شوق العودة القريبة لأحضانك...تائقًا لما تحملينه في بطنك من أسرار لا شك أنها ستولد قريبًا من رحم الإبداع... فأنتِ أنتِ كما تعوّدنا منك... لا تلدين الأخداج، ولا تحملين إلا الحسن والجمال.