بعد نشر الحلقة الأخيرة من موضوع (ملف العلاقات الأميركية... الإيرانية) الذي ورد فيه ان الوقت والمرحلة يتطلبان السياسي المبدع المحترف والموهوب، وردت إليّ رسائل على مختلف وسائل الاتصال، يسأل اصحابها عن الابداع في السياسة وما المقصود بالسياسي المحترف الموهوب، ومن اجل ذلك كانت هذه السلسلة لإيضاح معنى الإبداع في السياسة وبيان من هو السياسي المحترف؟
المبدع هو من يفعل الشيء لا يسبقه اليه احد، فاختراع شيء مادي لم يسبق اليه احد او القيام بعمل على طريقة غير مسبوقة لا يكون الا من مبدع، والموهوب من لديه استعداد فطري خلقي يمكنه من أداء عمل ما على أفضل ما يكون، والمحترف من أتقن عملا إلى درحة الاقتصار عليه بسبب إجادته التامة له.
وحتى نميز كيف يكون السياسي من النوع المبدع الموهوب لا بد لنا من استعراض كل من فئتي السياسيين الذين نصادفهم في العمل العام في الوقت الحاضر، النوع الأول وهم الأغلب او السواد الأعظم ممن يتولون العمل العام في الوقت الحاضر خصوصا في العالم الثالث وهم ممن اكتسبوا الخبرة السياسية من جراء العمل في الوظيفة العامة من البيروقراطيين وهم مقلدون في السياسة، يعرفون الإطار العام للعمل السياسي، أسلوبهم تقليدي يعتمد على تراكم الخبرة وحفظ المعلومات وليس على الموهبة او الإبداع، يصيبون قليلا ويخطئون كثيرا، لكن أخطاءهم تضيع في زحمة التبرير وإضفاء عدم الأخلاقية على السياسة التي يعتبرونها مبررة ومن صلب العمل السياسي في عرف الغالبية العظمى منهم، وهؤلاء يحصلون على وصف سياسي لمجرد تقلد احدهم منصبا في العمل العام وقد تؤول المواقع الى بعضهم بحكم تقسيمات مناطقية وعائلية واعتبارات اجتماعية، والغريب في الأمر أن من أمثال هؤلاء يبقون في مواقعهم ولا يكتشف أمر عدم معرفتهم بالسياسة ربما في العالم الثالث بسبب ان المنظومة كاملة أحيانا في دولة من الدول هي من السياسيين من هذا النوع.
والأغرب من ذلك ان تولي المناصب السياسية بناء على الاعتبارات التي اشرنا اليها ادى الى ما لا يمكن تصديقه لولا انه امر واقع تعيشه بعض البلدان وهو ان المنصب السياسي مثل منصب النائب او الوزير اصبح يطمح اليه جميع الناس بدون استثناء لأنه لا يكلف شيئا وليس من ورائه محاسبة على تقصير ويوفر لصاحبه الوجاهة والدخل العالي، حتى أصبح هذا الوضع للسياسيين في بعض بلدان العالم الثالث هو الأصل وقد لا تسلم الغالبية العظمى من الناس ان هنالك من هو موهوب مبدع في السياسة حتى لو ضربت لهم الامثلة على مثل هؤلاء الموهوبين وهم قلة على كل حال. والنوع الاول من السياسيين وهم البيروقراطيين غير الموهوبين لا يعرفون على الأغلب الأعم من الأحوال ان سياستهم من الصنف الثاني غير الجيد وان وجد الموهوب الذي يظهر منه ما لا يعرفون او يعتادون فلن يسمحوا له بالدخول الى ناديهم حتى لا يفسد عليهم ما أصبح هو الأصل بدلا من أن يكون هو الاستثناء.
في الحلقة القادمة سنعرض الى ماهية السياسي الحقيقي المحترف المبدع او الموهوب.