العدد 2169
الإثنين 22 سبتمبر 2014
banner
دروس من استفتاء أسكتلندا حول الاستقلال أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الإثنين 22 سبتمبر 2014

مع أنني كنت من المنتظرين لنتائج الاستفتاء الذي جرى يوم الخميس الماضي في اسكتلندا حول الانفصال عن التاج البريطاني وهيمنة انجلترا على تلك البلد وثرواته التي ربما تفوق انجلترا نفسها، وكنت أتمنى أن يحدث الانفصال، إلا أن ذلك لا يعني أن نغض الطرف عن السبب الذي دفع بالشعب في اسكتلندا إلى تفضيل البقاء في المملكة المتحدة بدلا من الانفصال في دولة مستقلة، بمعنى أن الوطنية قد تكون طغت على البعد القومي في هذه المسألة، وهذا أول درس نراه في نتائج الاستفتاء.
كنت شخصيا أتمنى أن يحدث الانفصال لما فيه من إضعاف للغرب وليذوق هذا الغرب ما فعله ومازال يمارسه معنا وعلى أرضنا وهو الذي فتت وطننا العربي في القرنين التاسع عشر والعشرين، ويفعله حاليا في السودان والعراق وسوريا وليبيا وسيظل يفعله في كل أراضينا عند أية فرصة نساهم نحن في خلقها معه، كنت أتمنى من هذا الاستفتاء أن يضع اللبنة الأولى لتمزيق من مزقنا وتكر سبحة التمزق فيه في أوروبا وأميركا وتضيع القوة التي يهددنا بها دائما وأبدا، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن كما يقال وكانت النتيجة مخالفة للرجاء وبقيت أسكتلندا تحت التاج الملكي البريطاني.
عندنا تكون العملية معكوسة حين نجد الانفصاليين يدخلون في حروب من أجل الاستقلال وليس عن طريق الصناديق، فهم يريدون ذلك بالقوة لعدم إمكان حدوثه بالسلم، ولكن ذلك غير مهم سواء سلميا أو عسكريا بقدر أهمية الحالة ذاتها والتي تقوم على رغبة الأغلبية في الانفصال كما حدث في السودان مؤخرا ومرشح أن يحدث في السودان كذلك مجددا وغيره من الدول العربية لتكر السبحة ويتجزأ وطننا العربي بيد الغرب دائما ودعم النظام العربي نفسه والذي يشجع أعداء الوطن من الانفصاليين على زرع وتنمية فكرة الانفصال في عقل الآخرين عن طريق خلطه بين الوطن والنظام وفي كثير من الأحيان بل بين الوطن ورأس النظام.
في أسكتلندا كان أهم دافع في رفض الانفصال هو الخشية عند الوحدويين من المستقبل في حال الانفصال وعدم القدرة على إيجاد أو استمرار الحالة التي هم عليها في الوقت الراهن وتحت التاج البريطاني، فهم يعيشون دون تمييز بين الإنجليزي والأسكتلندي في كل الأمور، وهم يحصلون على حقوقهم كاملة في الدولة الحالية، وهم ينعمون بنوع من الديمقراطية المفقودة في أماكن أخرى كثيرة (مع الحق في التحفظ عليها)، ومكانتهم في النظام الحالي محفوظة غير منقوصة، فما الذي يدفعهم للخروج والبدء من جديد في دولة جديدة بها من الغموض المستقبلي ما يجعلهم في خشية من فقد ما لديهم حاليا، لذلك آثروا البقاء تحت النظام الحالي مصحوب بوعود بزيادة الحقوق القومية التي يحصلون عليها.
عندنا يحدث العكس تماما، حيث تعيش القوميات غير العربية في عزلة عن النظام مماثلة لعزلة غيرهم من المواطنين في الدولة العربية وهم متساوون مع غيرهم في العدل المفقود وسيادة التمييز بين المواطنين وانعدام العدالة الاجتماعية وانتفاء الديمقراطية بما فيها من حريات شخصية وجماعية وسيادة الظلم الذي يقع عليهم كمواطنين قبل كونهم أصحاب قومية أخرى، وهذا ما يدفع بهم لانتهاز الفرصة بل العمل على إيجادها للخروج من الدولة التي لا تمييز فيها بينها وبين النظام.
لذلك اندفع مواطنو اسكتلندا لتقرير البقاء تحت التاج البريطاني خوفا من فقدان ما هم عليه ويندفع المواطنون في الدولة العربية للانفصال رغبة في الهروب مما هم عليه... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية