العدد 2166
الجمعة 19 سبتمبر 2014
banner
عبادة الفرد (2) أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الجمعة 19 سبتمبر 2014



استكمالا لما كنا نتحدث به منذ عدة أيام عن صفة عبادة الفرد التي درج عليها الكثيرون في وطننا العربي وأثرت وتؤثر على أي توجه نحو الديمقراطية، يمكن القول إن هذه الصفة التي يحملها البعض تؤدي في كثير من الأحيان إن لم يكن في جميع الأحيان إلى التحول التدريجي نحو الفردية والديكتاتورية التي تجمع السلطة في يد واحدة، وحين نقول يدا واحدة فإن ذلك لا يعني الفرد الواحد ولكن يعني السلطة الواحدة.
بدلا من التوجه نحو المزيد من الديمقراطية فإننا نتجه نحو المزيد من تكثيف القرار الفردي بعيدا عن المشاركة الجماعية ليس على مستوى قمة السلطة ولكن حتى على مستوى المؤسسات لتصب جميع القرارات في صالح توجه واحد لا يمثل الشعب بقدر تمثيله لمصالح واحدة تتجه جميعها في اتجاه واحد بعيدا عن الإنسان والمجموع، ولو حاولنا تطبيق هذه الفكرة على نتائج الحراك الشعبي العربي الأخير لرأينا ان هذه النتائج تصب في المزيد من الفردية وليس المشاركة الجماعية التي أرادتها الجماهير العربية بتحركاتها الأخيرة.
لا يستطيع متابع واحد لما يجري أو مفكر واحد عاش الفترة الأخيرة أن يقول إننا نتجه في الوقت الحالي لمزيد من الديمقراطية بل إلى مزيد من الفردية والسبب في كل ذلك هو الفرد الذي يجنح لعبادة الفرد ليس حبا في الفرد بحد ذاته ولكن لتلاقي المصالح، وهو ما يعني أن مصالح أفراد محدودة تعيق المصالح الجماعية وتستخدم الفردية وتمجيد الفرد لخدمة هذه المصالح وتكريسها على حساب المجموع.
قد يقول قائل إن الفوضى وما صاحبها من غياب للأمن والتي شملت الوطن العربي والمخاوف التي صاحبتها والتي عاشها المواطن العربي أزاحت قليلا الرغبة في الديمقراطية أو التوجه إليها ليحل محلها التوجه صوب الأمن الذي كان شبه مفقود أو تم الإيحاء بفقدانه وانتفائه عمدا لخلق الإحساس بانعدامه ودفع الإنسان العربي بالتالي في اتجاه آخر بعيد عن مطالبه الأساسية بالديمقراطية وقريب نحو الأمن المفقود المقرون بالديكتاتورية، بالتالي تحل الديكتاتورية كمطلب شعبي بدلا من الديمقراطية وتكون مقرونة بنوع من تقديس الفرد صاحب السلطة القادر على تلبية المطالب الجديدة المتمثلة في الأمن أولا وقبل كل شيء.
عندها تلتقي المصالح الفردية لمن يعيش حالة تقديس الفرد صاحب السلطة، والتي تحملها القلة المتنفذة، تلتقي هذه المصالح مع ما تم زرعه في ذهن الإنسان العربي من حالة من الرعب والخوف التي تقوده نحو القبول بالديكتاتورية التي تجلب الأمن وبالتالي رفض الديمقراطية التي تجلب الفوضى.
هنا يصل الإنسان العربي إلى وضع الخيار الذي لابد منه ساعتها حسب رأيه والمجبر عليه، وهو إما القبول بنوع من عبادة الفرد الواحد القادر على تحقيق الأمن المفقود وإما القبول بما وصل إليه من حالة ما قبل الدولة التي تسودها الفوضى وتشيع فيها حالة انعدام الأمن، وهذا بالطبع سيقوده إلى الخيار الأول، مجبرا بالطبع، كحالة يعتقدها مؤقتة ولفترة قصيرة لن تطول ولكنها حتما ستطول كثيرا وتكرس الفردية الديكتاتورة التي يربطها كثيرون بالأمن والسلامة وهي بعيدة عن ذلك.
النتيجة الأخيرة من كل ذلك أننا نعود جميعا لعبادة الفرد كل منا حسب نيته، فالنوايا والأسباب لهذه العبادة ليست واحدة كما نرى ولكن النتيجة واحدة عند الجميع، وقد تكون المصلحة واحدة عند الجميع وهي المصالح الشخصية حتى إن اختلفت أنواع هذه المصالح وتوجهاتها ولكنها واحدة كنتيجة وتعود على الفرد ذاته الذي يوافق على أن يعبد غيره من البشر.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية