العدد 2010
الأربعاء 16 أبريل 2014
banner
القضاء المستقل.. هل هو حقيقة أم حلم؟ أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الأربعاء 16 أبريل 2014

لا يوجد دستور أو قانون أو نظام من الأنظمة على اختلاف نهجها وفكرها إلا ويتحدث عن استقلالية القضاء، الذي يمثل في الأنظمة السياسية الحديثة السلطة الثالثة في تقسيمة تلك الأنظمة مع السلطتين التنفيذية والسلطة التشريعية، مع أن هناك من وضع سلطة رابعة وهي الصحافة، المهم أن السلطة القضائية باستقلالها يمكن أن تمثل الميزان الذي من خلاله يحدث الاستقرار لأي مجتمع ويبتعد عن الفوضى، ومن خلاله يمكن كذلك أن تصان الحريات ويسود الأمن للمواطن.
السؤال المهم في هذا الشأن وفي المجتمع الحديث هو، هل يوجد قضاء مستقل استقلالا حقيقيا وواضحا يمنح الجسم القضائي القدرة على إصدار القرارات التي تساهم في كل ما قلناه في بداية الحديث؟ فقد يكون القاضي هنا أو هناك، وليس القضاء آمنا على وضعه وغير محاسب على قراراته ولديه القدرة الذاتية والموضوعية على اتخاذ ما يراه مناسبا وصحيحا تجاه أية مسألة تعرض عليه دون الخشية من تعرضه للمحاسبة من أية جهة أخرى غير الجسم القضائي ذاته، ولكن في مثل هذه الحالة كذلك هل يكون القضاء مستقلا استقلالا حقيقيا وواقعيا أم لا؟
أهمية استقلال القضاء تأتي من دوره في أي مجتمع والمكانة التي تعطى له ولأعضائه من القضاة الذين يتمتعون بما لا يتمتع به أي موظف آخر في الدولة من امتيازات مادية ومجتمعية، ولا يجاريهم في ذلك إلا بعض الكبار في السلطة التنفيذية والتشريعية، مع أن الجهد المبذول من منتسبي القضاء أقل بكثير من الجهد الذي يبذله الكثيرون من العاملين في المجالات الأخرى، وفترة التحصيل التي يقضيها القاضي ليصل إلى مرتبة القضاء تقل كثيرا كذلك عن الفترة التي يقضيها الكثيرون في المجالات الأخرى كالطب والهندسة على سبيل المثال لا الحصر، ومع ذلك يعامل القاضي بما لا يعامل به أي فرد آخر في وظيفة أخرى قد تكون مهمة إلى درجة كبيرة.. لا يهم ذلك بقدر ما يهم الأمر الآخر وهو ما يمكن أن يحدث في حال جرى أو يجري تدخل من جهات أخرى في الشأن القضائي حتى من الجسم القضائي ذاته.
هناك الكثير من العوامل التي تصب في جعل الحكم القضائي مستقلا من خلال من يصدر ذلك الحكم، وذلك إضافة لما قلناه في بداية هذا الحديث، وأول هذه العوامل هي الاستقلال القضائي عن ذاته وما إذا كان هذا الاستقلال موجودا أم لا، وقد يقول قائل إن هذا لا يصب في الاستقلالية التي نتحدث عنها، وذلك أمر صحيح إلى حد ما، ولكنها تمثل عاملا قويا من ضمن العوامل التي تؤثر على الاستقلال، التي تتطلب رؤية واضحة داخل الجسم القضائي لمعالجتها ونزع تأثيرها على ما يصدر من القضاة خصوصا في القضايا التي يراها البعض صغيرة ولكنها ذات تأثير محوري وكبير على أصحابها.
استقلال القاضي عن ذاته ربما يجرنا إلى أمر آخر يؤثر في هذه الاستقلالية في صورتها العامة، ويؤثر كذلك في استقلال القاضي عن ذاته، وهو أسلوب الاختيار والتعيين في السلك القضائي أو الجسم القضائي سواء كان ذلك في غرف القضاء أو في السلك النيابي لكون النيابة يراها الكثيرون جزءا من الجسم القضائي ذاته، ففي الكثير من دول العالم وعندنا كذلك نرى تداخلا بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية في هذا الشأن، هذه واحدة، والثانية أننا لا نرى في التعيين أو أسلوب التعيين نهجا واضحا يجعل عملية الاختيار والتعيين خاضعة لمعايير ترفع من ذلك المستوى الذي عليه الكثير من القضاة في أي موقع أو منطقة أو محكمة.
هذا الأسلوب قد يؤثر من ناحيتين.. الأولى أنه يضع في الجسم القضائي من لم يصل إلى مستوى المسؤولية الحقيقية ومن لا يملك القدرة الفعلية على أن يكون على مستوى القضاء ذاته في جوانب كثيرة تمس القضايا التي يمكن أن تعرض على القضاء بكافة أشكاله، والثانية أنه يجعل القاضي مدينا للجهة التي وضعته في المكان وأعطته بالتالي المكانة التي يتمتع بها دون غيره فيكون تابعا لها وإن كان بصورة غير مباشرة، وهذا الأمر نراه في الكثير من مستويات القضاء ليصل إلى أعلى الجهات القضائية كالمحاكم الدستورية أو العليا كما يطلق عليها البعض أو الفيدرالية العليا كما تسمى في أماكن أخرى.
هذا لا يعني عدم وجود قضاة مستقلين بطبيعة الحال، ولكنه يعني اختلاط أمر الاستقلال مع عدم الاستقلال.. والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .