العدد 2167
السبت 20 سبتمبر 2014
banner
إدارة الأزمات لا حل الأزمات زينب الدرازي
زينب الدرازي
السبت 20 سبتمبر 2014

يبدو أن العالم يعيش مرحلة جديدة في تقدم عمل الرأسمالية وحلفائها، فلم تترك الأزمة المالية العالمية وتداعياتها أية فرصة لتأجيل ما هو مخطط له سابقا في احتواء العالم ومصادر ثرواته. لقد كانت الفكرة العبقرية في ثمانينات القرن الماضي ترتكز على العولمة الاقتصادية وفتح الأسواق، إلا ان هذه السياسة فتحت الكثير من الزوايا التي تسرب من خلالها الفساد العالمي، وعوضا عن أن تكون عملية اقتصادية ناجحة تجني الدول الرأسمالية منها ارباحا خيالية كانت كارثة أفلست العديد من الدول الضعيفة التي تدور في فلك الدول الكبرى، وأدت بالتالي إلى زعزعة الاقتصاد العالمي وبروز دول أخرى كانت تاريخيا خصما عتيدا لا يمكن كسره كروسيا، التي وجدت في الأزمة فرصتها لتعيد سياسة الاستعمار المباشر القديم، وان بذرائع متنوعة.
لقد أثقلت كل هذه الأزمات الاقتصادية كاهل الدول، وبالتالي لم يكن هناك سبيل للخروج منها غير الحرب. وفي الحروب يكون هناك عادة طرفان متحاربان وتنتهي الحرب بهزيمة طرف وانتصار الطرف الآخر. ولكننا نشهد منذ تسعينات القرن المنصرم إلى وقتنا الحالي كيف ان هذه الحروب الموزعة جغرافيا في افريقيا وآسيا واوروبا الشرقية تدار من خلال اطراف متعددة متحالفة ضد طرف واحد، وهذا الطرف في اغلب الاحيان مجهول وغير واضح المعالم. ونرى كيف ان هذه الحروب عوضا عن ان تنتهي بانتصار طرف وهزيمة آخر نراها مستمرة ومتشعبة بشكل جعل لا نهاية لها. وتأخذ هذه الحروب اشكالا متباينة إلا انها تدور حول وهم واحد وهو محاربة الارهاب. فكل الحروب اليوم بين دول كبرى ومجموعات ارهابية مسلحة بأحدث انواع الاسلحة وتدار من قبل عقول منظمة علمية مطلعة على احدث انواع التكنولوجيا واستخداماتها الدقيقة ووسائل الحروب النفسية، مما يثير الكثير من التساؤلات حول قيادات هذه المنظمات الارهابية التي تكبر باستمرار وتتوسع كلما كانت الحاجة اليها في مكان محدد ووقت محدد. كما تبرز هذه التنظيمات كالفطر عندما يراد لهذه الدولة او تلك انتهاك كل ما يتعلق بالمساواة وحقوق الانسان، فنرى كيف يتم تبرير عمليات الابادة الجماعية وعمليات التعذيب والقهر الاجتماعي بانتشار عمليات سبي النساء وفتح اسواق للنخاسة وعودة العبودية.
لم يعد العالم اليوم يرى تحت هيمنة الرأسمالية اي مانع يصده او يمنعه من سلب العالم حقوقه في المساواة والعدالة والامن الجماعي والاستقرار الجغرافي، وهي نفس الحقوق التي ناضل العالم قرونا من اجل ارسائها. فأخذت هذه الدول بإلغاء تدريجي ومنظم للعهد الدولي لحقوق الإنسان ولكل المواثيق التي تقوم عليها الأمم المتحدة من خلال إدارة حروب مستمرة لا تنتهي بل تتشعب، ولكنها تضمن استمرارية السيطرة على ثروات الشعوب وموادها الأولية وفتح اسواقها الاستهلاكية التي تعمل على الاستهلاك المستمر وغير العقلاني، مما يضمن استمرار تدفق البضائع واستمرار تدفق الارباح.
إن من يعتقد ان تهجير الشعوب من دولها هو امر حتمي نتيجة الحروب المستعرة فهو واهم، فتهجير الشعوب وتحويلها إلى مهاجرين منفيين لا وطن لهم، وبقاء أمل العودة هو جزء من سياسة الحرب وإدارتها ومغذ دائم لديمومتها. اما ادارة التحالفات بين الدول الرأسمالية لتقاسم الثروات فهو واضح عندما تتحالف، كما هو اليوم ضد ما تسميه الدولة الاسلامية او داعش، فهذه الدولة التي برزت كالفطر بين ليلة وضحاها، تقودها عقول متنورة قادرة على تشغيل ادق الأجهزة الحربية، والتي تتناقض مع هيئاتهم وسلوكهم وما يروجون له، وثلاثة ارباع اعضائها يأتون من نفس هذه الدول، ان هذا التحالف وإدارته يؤكد على عمق الازمة الرأسمالية وانحدارها بحيث تتحالف لإدارة الازمات وتوسعتها عوضا عن حلها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .