العدد 2177
الثلاثاء 30 سبتمبر 2014
banner
النــاصــريــة بعــد 44 عـــامــاً محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
الثلاثاء 30 سبتمبر 2014

يتساءل المنتمون للتيار الناصري وحتى غير المنتمين إليه ماذا لو كان عبدالناصر باقياً إلى اليوم؟ والمعنى الذي يرمي إليه السؤال هو ما الدور الممكن أن ينهض به الرجل في ظل ما تمر به بلداننا العربيّة من أزمات تعصف بكياناته؟ إنّ الحقيقة التي ليس بوسع أحد الجدال حولها هي أنّ عبدالناصر يتمتع بعبقرية قلّ نظيرها ناهيك عن كونه قارئا جيدا للتاريخ ومستلهما بارعا لحقائقه.
لو أنّ عبدالناصر لم يزل حياً الى يومنا لأمكنه أن يجنب بلده مصر والأمة العربية ما تشهده من تصدعات ولسارع الرجل الى بناء تحالفات مع الدول الصديقة والمحيطة المنضوية تحت منظمة عدم الانحياز.
ولو أنّ عبدالناصر حيّا الى اليوم لكان أول المتصدين للمشروع الصهيونيّ كما كان في حياته يقاوم الصهاينة والأميركان بكل قوة. إنّ عبدالناصر بين قلّة من زعماء العالم ممن قرنوا أقوالهم بالأفعال ونتذكر من اقواله التي تضيء وجدان جماهير عريضة من الشعب العربيّ قوله “إنّ الذّين يقاتلون يحق لهم أن يأملوا في النصر أما الذّين لا يقاتلون فلا يستحقون سوى القتل”، وقوله “الخائفون لن يصنعوا الحرية والضعفاء لن يصنعوا الكرامة والمترددون لن تقوى أيديهم على البناء”.
لا نعني أنّ المرحلة الناصرية كانت خالية من الأخطاء والخطايا التي شابت ذلك المشروع فلا أحد يمكنه ان يتناسى حجم التجاوزات التي أقدم عليها رجال عبدالناصر الذين أمعنوا في تعذيب خصومهم. بيد أنّ هذا رغم فداحته ليس مسوغا للبعض من الكتاب والصحافيين لإقامة معاول الهدم لكل ما يمت للمرحلة الناصرية بصلة ووصم عصر عبدالناصر بالفساد والتسلط.
يحسب لعبدالناصر انجازه التاريخي العظيم ونعني به مجانية التعليم الذي اتاح المجال لثلاثة ارباع الشعب المصري للالتحاق بالتعليم بعد أن كانوا محرومين منه على مدى عقود طويلة بيد انّ المفارقة أنه بعد وصول مبارك الى الحكم عمد الى الغاء هذا المنجز التاريخيّ وهو ما أعاد مصر عقودا الى الوراء.
وعلى الصعيد القوميّ فإنّ الوحدة المصرية السورية مثلت أحد الأحلام والطموحات الكبرى التي سعت مصر بقيادة عبدالناصر الى تجسيدها لكنّ المحزن أنه بعد عامين فقط حدث ما لم يكن في الحسبان اذ خرجت الجماهير السورية مطالبة بالانفصال الأمر الذي أذن بتفكك المشروع الوحدوي. ولم يكن لأحد أن يتصور حجم الألم الذي المّ بصاحب المشروع القومي الكبير وهو يرى كيف يتحطم واحدا من أحلامه أمام عينيه. والأدهى هو احتفالات الشعب السوري بسقوط الوحدة بعد الإخفاقات المتتالية المفضية اليها. وكانت فرصة لخصوم المشروع القومي الناصري إلى اشهار أسلحتهم في صدره ودفع البعض منهم الى القول انّ الوحدة لم تكن سوى محاولة لتمديد رقعة الامبراطورية الناصرية. وبالغ آخرون بوصفهم المشروع القومي العربيّ بأنه مشروع منقول بمنتهى السذاجة عن المشروعين النازي والفاشستي وأنه حوّل الهوية الى آيديولوجيا.
والمشكلة كما تبدو لنا تكمن في غياب النقد الموضوعي ليس فقط عن هذا المشروع بل عن كل المشاريع الأخرى. ومن هنا كم تبدو الحاجة اليوم الى التحلّي بالموضوعية والتحليل المنهجيّ للتجربة الناصرية بإبراز انجازاتها وعثراتها. لعل الثغرة الكبيرة في مشروع بهذا الحجم هو افتقاده الى عنصر بالغ الأهمية هو الدين. إنّ الذّي اتضح بعد سنوات أنّ الغاء الدين من المشروع كان سببا مباشراً في تعثره. والدليل الأبلغ هو انّ ما شهدته بعض البلدان العربية من هبات كان محركها الأساس هو الاسلام.
ويتبقى القول إنّ اي مواطن عربيّ عاصر المدّ القوميّ فإنه يتذكر تلك الايام الطيبة يتذكر أنه كان العربيّ الجميل. ويتمنى لو بقي مزهوا بأمجاد تلك الأيام.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .