العدد 2170
الثلاثاء 23 سبتمبر 2014
banner
انتهــازيـــة المثقـــــف محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
الثلاثاء 23 سبتمبر 2014

ذات مرة اقترح بعض مستشاري الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديجول اعتقال المفكر والفيلسوف الوجودي جان بول سارتر لأنه كما يقال يحرض الطلاب على الفكر الضال. ولأنّ كتاباته تحدث تشويشاً في عقولهم بالاشارة الى انتفاضة الطلبة في فرنسا والمتمثلة في تظاهرات عام 1968م. ومن الطبيعي أن ينصرف التفكير الى انّ رد الرئيس ديجول سيكون اصدار الأوامر باعتقال الفيلسوف سارتر. ونظرا لما يتمتع به ديجول من حكمة وثقافة سياسية وهي ثقافة شخصية بالأصل كان رده برفض مبدأ الاعتقال مترجما ذلك بسرعة بديهة وبلاغة عميقة المعنى والدلالة ساخراً من غباء مستشاريه بالقول “إنّكم بصنيعٍ كهذا كما لو تريدونني أن اعتقل فرنسا بكاملها”، إنّ المعنى الذي اراد ديجول أن يومئ اليه هو أنّ المثقف شخص لا يمثل ذاته بل يمثل الأمة بأجمعها. وما كان لديجول أن يتخذ هذا الموقف البطوليّ والشجاع لولا أنّ سارتر كان يمثل ضمير فرنسا بمواقفه الصلبة والمبدئية التي نال بسببها احترام الجميع.
والحديث يجرّنا الى موقف المثقف العربيّ من قضايا مجتمعه فهل هو صادق في التعاطي مع قضايا مواطنيه أم أنه يمارس دور البهلوان؟ وإذا كانت وظيفة الكاتب أو المفكر هي لعبة يومية مع الموت طبقا لمقولة هيمنجواي فإنّ المثقف العربيّ لا تعني له شيئا. ولعل المثال الأبسط هنا هو في تعاطي الأغلبية من المثقفين مع ما سميّ بثورات “الربيع العربيّ”، لقد شابت مواقفهم انتهازية ممجوجة. بدا – المثقف - في أوّل الأمر اي في بداية انطلاقة “الثورات” منفعلاً وتطغى على لغته الحماسة المفرطة بحق الجماهير بالحياة الكريمة ومنددا بالظلم والاستبداد بكل اشكاله وألوانه.
طبعاً ليس اسهل من إطلاق الكلمات كما يفعل الحواة ولا بأس من اظهار لغة العواطف لكونها السبيل الأسرع لتهييج البسطاء من الناس لكنّ الأصعب هو مخاطبة الجماهير بلغة العقل لكونها غير منسجمة مع حالتهم النفسية. وكان غوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير يرى أنّ الجماهير لا تعقل فهي ترفض الافكار أو تقبلها كلاّ واحداً من دون أن تتحمل مناقشتها وأنّ ما يقوله الزعماء أو المثقفون يغزو عقلها سريعا فتتجه الى أن تحوله الى حركة وعمل وما يوحى به اليها ترفعه الى مصاف المثال ثم تندفع به الى التضحية بالنفس فتعاطفها لا يلبث ان يصير عبادة”.
كانت الفترة الحرجة التي مرت بها بعض البلدان العربيّة مختبراً بالغ الأهمية لأفكار وآراء ونظريات ومواقف الكتاب والمفكرين العرب. على صعيد التنظير فإنّ المثقف العربيّ كان مهموما بقضايا الإنسان ومشروعه الذي اشتغل عليه طوال حياته هو الدفاع عن قضاياه والعمل من أجل تغيير واقعه. بيد أنّ ما كشفت عنه هبات الربيع العربيّ كان خللا فادحا يعيشه المثقف العربيّ إذ يبدو أنّه جعل الأغلبية من مدعي الثقافة يتقوقعون في مواقفهم. وكانت لحظة تاريخية فارقة لقياس ما يتمتعون به من مصداقية.
إن السؤال هنا من بقي من هؤلاء المثقفين ثابتا على مبادئه كما سطرّها في كتبه؟ ومن من هؤلاء تنكر لمقولاته؟ إنّ الذي كشفت عنه التجربة أنّ جُلّ هؤلاء المثقفين يعيشون اشكالية أو ازمة وجودية. فمن جهة كانت خطاباتهم ونظرياتهم تنحاز الى الانسان لكن ما اسفر عنه الواقع كان صادما بمعنى الكملة. وليس مفاجئا لنا ما ساقه بعضهم من تبريرات ليس أقلّها أنّ المثقف يتعرض للاستلاب والقمع وليس بمقدوره المجابهة الفاعلة بل وحسب مفهوم البعض الآخر أنه يتعرض للتهميش والتعسف والحرمان. وأنّ المواجهة تكون في الأغلب خاسرة. وفي ضوء ما تقدم فإن التساؤل هو: أين يكمن دور المثقف العربيّ اذا؟ لابدّ من التذكير أنّ على المثقف الالتزام بالشرط الأخلاقيّ أي التشبث بموقفه في اصعب الظروف وإلاّ فإنه لا يستحق ان يكون ضمير أمته.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية