يتساءل الباحث البحرينيّ نادر كاظم في كتابه الصادر حديثاً “الى أين يأخذنا الربيع العربيّ” بعد كل هذه التطورات التي يمكن تفسيرها على انها انتكاسات وارتدادات نحو الوراء؟ ويجيب: لا يملك أحدٌ التكّهن بذلك الاّ انّ ما هو ثابت حتى الآن هو أنّ مآلات “الربيع العربيّ” اختلفت عن بداياته التي رفعت سقف التوقع والتمني في ان تأخذنا هذه الانتفاضات الى جنّة الديمقراطية الكاملة كما قال جان جاك روسو “ لم توجد ولن توجد أبداُ “ وانّ الإطاحة برأس النظام لا يجلب الديمقراطية بالضرورة.
الكتاب يستحق التوقف عنده طويلا بل التأمل فيه. ذلك انّ الكتابات التي تناولت التغيرات التي شهدتها بعض البلدان العربيّة عديدة من كتب ومقالات الاّ انّ قلة منها تلك التي استطاعت اثارة انتباه القارئ ودهشته .
انّ القضية التي هي موضع خلاف كبير بين الباحثين العرب تتمثل في السؤال التالي هل ما شهدته دول الربيع العربيّ من احتجاجات وانتفاضات اسبابها داخلية أم خارجية ؟ إنّ التخطيط لما سمي بالربيع العربيّ كانت بدايته في العام 2009م مع توليّ اوباما الرئاسة حسب وثيقة معهد السلام الاميركي وجاءت على شكل توصيات ودراسات حالة تحت عنوان : تعزيز ودعم الامن والديمقراطية في الشرق الاوسط الكبير “
بيد انّ الذّي لا خلاف عليه لدى الاغلبية هو انّ ثمة معوقات لبناء دولة الحداثة والمواطنة. ومطلب الاصلاح كان ملّحاً منذ ما يزيد على مائتي عام وبالتحديد مع جهود رفاعة الطهطاوي والافغاني وآخرون من رواد النهضة العربيّة. وحتى الدول التي رفعت شعارات الحرية والتحرير في خمسينات وستينات القرن الماضي لم تنجز وعودها وهو الحال الذي يشبه ما حدث في دول الربيع العربيّ مما دعا بعض المفكرين الى اطلاق تعبير “الربيع العربيّ المأزوم “ بعد سقوط انظمة مصر وتونس وليبيا . ويصدق على هذا الواقع العربي مقولة اطلقها الكاتب الراحل محمد الماغوط بأنّه وُلد في “ غرفة مسدلة الستائر اسمها الشرق الاوسط “.
يعرض الباحث في الفصل الاول من الكتاب الى ما اسماه “موجات الامل التنويري بداية الطريق الطويل “ سارداً الجهود التي بذلها مثقفو البحرين في تاسيس المدارس الاهلية وقادتها هم النخب الادبية والمثقفة في المحرق في مطلع القرن الماضي وكان الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة وعبد الوهاب بن حجي الزياني من ابرز الاسماء التي تحمست للمشروع وتشاء الظروف ان يُنفى عبد الوهاب الزياني الى الهند ويكتب اليه الشيخ ابراهيم بأنّ “ مشروع المدرسة يسير في طريق التقدم “ . الدلالة التي ترمز اليها الرسائل بين الرجلين انّ ثمة مشروع تنويري مهم يشتغل عليه آنذاك .وهذا المشروع لا ينفصل عن المشروع النهضوي العربي الذي يعد الطهطاوي والافغاني والتونسي والكواكبي ابرز رواده .
وفي الموجة الثالثة “ الامل الثوري “ يناقش الباحث الرهان الذّي اختاره النهضويون الاوائل وما فرضه عليهم من معالجات للانتقال من حال التخلف أو التأخر الى حال النهضة او التمدن وهو انتقال حتمي لأنّ العالم يتقدم ولا يتأخر .بحسب شبلي شميل . وهو انتقال يتم بشكل تدريجيّ ويأخذ وقتا طويلا حتى يبلغ منتهاه .
وفي موجة التحول الديمقراطيّ يسرد الكاتب التحولات الكبيرة داخل المنطقة العربية التي شهدت تفكك الامبراطوريات الاستعمارية الكبرى وحصول العديد من الدول على استقلالها وقيام انظمة جديدة وانهيار اخرى .لكن الذي استشعره الكثيرون من كل هذا “ انّ الامة تتقدم الى الخلف “ .
انّ المستقبل كما يتصوره الكاتب لن يكون مختلفاً فحسب بل افضل واجمل للعالم الذي يعاني من “الاختلال” كما يقول امين معلوف أو هو ينزلق الى الهاوية كما يقول ادغار موران !