العدد 2166
الجمعة 19 سبتمبر 2014
banner
العراق المليشياوي والعراق الداعشي عمار السواد
عمار السواد
الجمعة 19 سبتمبر 2014

“الحكومة اضعف من الشعب بكثير. ولو كانت البلاد خالية من السلاح لهان الامر، لكنه يوجد في المملكة ما يزيد على المائة الف بندقية يقابلها خمسة عشر الف بندقية حكومية، ولا يوجد في بلد من بلاد الله حالة حكومية وشعب كهذه”
 فيصل الاول
من الفرق بين العراق الملكي والعراق الجمهوري، ان الاول كان حريصا على حصر السلاح بيد الدولة، وتمكين الجيش من القيام بمهماته دون الحاجة لأي قوة مسلحة أخرى مرادفة. فلم يندفع الملك فيصل الاول وهو يجد ان السلاح بيد العشائر يفوق سلاح الجيش بسبعة اضعاف، لخلقِ مليشيا او الاعتماد على اولئك الماسكين بالسلاح، بل عمدت المملكة الى تقوية الجيش وتعزيز كفاءته وتسليحه.
ولكن الجيش الذي بناه فيصل وطورته الحكومات العراقية المتعاقبة حتى عام 1958، تمرد مرارا وحاول ان يكون قوة حاكمة على الدولة او موازية لها، وليس قوة لأجل الدولة، فقام بانقلاب 1936 وفشل، ثم حركة الكيلاني في 1941. لكن ذلك لم يدفع أي من رجال المملكة الى التفكير بتشكيل قوة مساعدة تردع الجيش او تراقبه، الى أن قام الجيش بانقلابه واسقاط المملكة سنة 1958، وهو ليس مجرد بداية للتاريخ الجمهوري ودخول احزاب الايديولوجية مركز الحكم، بل ايضا بداية العراق المليشياوي.
تشكلت في تلك الفترة مليشيا المقاومة الشعبية كقوة شعبية ضاربة للشيوعيين، ولكنها لم تمنع ايضا سطوة الجيش الذي قام بانقلابه في 1963، لتتشكل مليشيا أخرى هي الحرس القومي وارتكبت مجازر بحق الشيوعيين، دون تدخل الجيش. ثم انقلب البعثيون في 1968 على عبد الرحمن عارف، وتشكلت فورا منظمة حنين التابعة لشخص نائب رئيس الجمهورية صدام حسين والمسؤولة عن تنفيذ اغتيالات للمعارضين، وايضا الجيش الشعبي الذي عني بمسؤوليات علنية ترادف مكانة الجيش واجهزة الدولة. ساهمت هذه المليشيا في الحرب العراقية الايرانية، وقامت ايضا بمهمة التحشيد الشعبي. ثم جاءت حقبة التسعينات لتتشكل مليشيا سيئة الصيت،  وهي جماعة “فدائيو صدام”، ومهمتها الامن الداخلي.
سقط صدام، وانهار الجيش، وتفكك النظام، وبقيت سمة النظام الجمهوري متمثلة بالمليشيات، بعضها قدم من الخارج وهو منظمة بدر، والاخر ظهر في الداخل مثل جيش المهدي التابع للتيار الصدري، ثم تتالت التجارب المليشياوية، منها ما حظي بدعم السلطة ومنها بدعم احزاب موجودة فيها وبعضها بدعم معارضين لها... شيعية وسنية. وحتى عند التفكير بمواجهة أي تهديد، كتهديد داعش، يكون ذلك عبر المليشيات، اي الصحوة، لأن الثقة بالجيش معدومة او ضعيفة.
هذه جردة تاريخية للعراق المليشياوي، العراق الذي يتشابه منذ 1958 وحتى الان رغم المتغيرات، فتغيير الامور من شيوعية الى قومية الى بعثية الى اسلامية لم يغير هذه اللازمة. ولو قدر وزالت ثنائيتي سنة وشيعة، ويصعب ان تزول الان، فان المليشيات ستبقى ملازمة، الى حين ان يثق الجميع بالجيش كقوة حامية والداخلية كقوة محافظة على الامن، دون الحاجة الى أي مليشيا، شريطة منع هذا الجيش من ان يخترق الحياة السياسية مجددا.
هذا القدر قد يلتقي مع داعش وعموم تنظيم القاعدة في موضوع ان السلاح خارج السلطة هو الاصل. ويلتقي العنفان، القاعدة وداعش من جهة والمليشيات من جهة أخرى، في ان الاثنين عنف، لكن ذلك لا يعني ان الاثنين ينتميان الى منظومة العنف نفسها.
المليشيات تنتمي الى منظومة العنف التاريخي للعراق، انفلات السلاح خارج حدود السلطة، وتحويله الى سلطة توازي الحكومة، بشرعية منها او من غير شرعية. اما القاعدة فهي منظومة عنف ليست معنية بكل تاريخ العراق، انما باستخدام الخواصر الرخوة للسيطرة وبث عقائدها، وفق رؤية عالمية كان تنظيم القاعدة هو خالقها.
ان وجود داعش وضعف الجيش، يدعمان الثقافة المليشياوية العراقية، ويدعوانها الى تشكيل المزيد من المليشيات بذريعة الحماية، لكن وجود المليشيا اليوم ليس هو الذي يخلق تنظيم القاعدة، لأنه مرتبط بمشروع آخر ابعد من ثقافة العراق وتاريخه، قد يعتمد احيانا عليه، لكن لو لم يكن موجودا فهي ستحاول ان تخترق حرم هذا البلد، كما تحاول اليوم وهي تهدد دولا اخرى لم يعرف عنها صراع طائفي او وجود للمليشيات.
ان العراق يعاني اليوم من ثلاثية مرتبطة ببعضها من جانب، وفي الوقت نفسه، لكل منها منظومته الخاصة؛ المليشيا والطائفية والارهاب القاعدي. الاولى تنتمي الى تاريخ العراق المنفلت السلاح، والثانية تعود الى صراع على النفوذ وكره تاريخي يستعاد بقوة، اما الارهاب القاعدي فيرتبط بعقيدة دينية ذات طابع عالمي وجدت في العراق المليشياوي والطائفي ارضا خصبة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية