العدد 2177
الثلاثاء 30 سبتمبر 2014
banner
الديمقــراطيــة والمجتمــع المدنـــي عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
الثلاثاء 30 سبتمبر 2014

“المجتمع المدني” هو كل أنواع الأنشطة التطوعية لمؤسسات مجتمعية غير ربحية ينظمها الأفراد لتحقيق مصالح وأهداف مجتمعية، ولها اهتمامات ثقافية أو سياسية أو علمية أو عمالية أو حقوقية أو خيرية أو تجارية أو دينية. وهذه المؤسسات تنمو بمقدار استعداد أفرادها على العطاء بدون مقابل لإفادة أفراد المجتمع، وتشجع الدول الديمقراطية عمل هذه المؤسسات. فالمجتمع المدني هو تضامن اجتماعي يربط بين أفراده وأبناء المجتمع وتحدد هذه العلاقة القوانين التي تصدرها الدولة. والدولة تصدر العديد من القوانين التي توجد البنية التحتية لمؤسسات المجتمع وتبني العلاقة بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني.
وتعكس مؤسسات المجتمع المدني اهتمامات المواطنين في كل نشاطاتهم العامة، فالمجتمع البحريني يمتلك مخزونًا بشريًا يحمل من التجارب والخبرات السياسية والاجتماعية والمهنية والحقوقية والاقتصادية ما يُساهم كثيرًا في تنمية المجتمع ويُمكن للحكومة أن تستفيد منه في اتخاذ قرارات مفيدة للمجتمع. لذا يجب على هذه المؤسسات أن تبني شرعيتها على الوطنية والمصداقية والشفافية لتكون محط تقدير واحترام وتعاون الجميع معها لخير المصلحة العامة.
إن تأسيس الجمعيات المدنية وانتشارها في الدول الديمقراطية ظاهرة صحية في الحياة العامة ونهج ديمقراطي تسن قوانينه الدولة، ففي البحرين يوجد عدد كبير من الجمعيات السياسية والحقوقية والتجارية والعمالية والاجتماعية المتنوعة وغيرها التي تعمل في الدفاع عن مختلف القضايا التي أنشئت من أجلها، وتمتلك مساحة واسعة من الحرية في العمل ضمن إطار القانون. فتأسيس الجمعيات في أي مجتمع ديمقراطي ليس ملكية فردية لأشخاصها بل ملكية جماعية، وعقلية العمل الجماعي يجب أن تكون منفتحة على الآخر، فتلاحم الأفكار وتضامن الإرادات في العمل الجماعي هو من الضمانات الأساسية لنجاحها. ومن المستحسن أن تكون في الجمعية سلطة إدارية لتسيير أمور الجمعية من غير تسلط، فالتسلط يخرج الجمعية عن قواعد العمل الجماعي “الديمقراطي” الأمر الذي يؤدي إلى انفصال الإدارة عن قاعدتها فتتحرك بعد ذلك دون أي اعتبار لها مما يؤدي إلى حدوث منزلق خطير يُساهم في الإطاحة بكيان الجمعية.
من المبادئ الديمقراطية في مؤسسات المجتمع المدني أنها تؤسس بلا أهداف نفعية، وأن السيادة تكون في إرادة أعضائها التي تعبر عن نفسها بشكل رسمي عن طريق الاجتماعات السنوية للجمعية العامة لأعضائها، والقرارات التي تصدر عنها هي بمثابة قانون لها، وتكون مُلزمة لكل أعضائها، وأن يتم انتخاب أعضاء إداريين ديمقراطيين لإدارة أمور الجمعية مما يعود بالفائدة على الجمعية واستمرار بقائها ونموها. هذه الممارسات الديمقراطية وغيرها في هذه الجمعيات تهدف إلى تقوية هذه الجمعيات وغرس الممارسة الديمقراطية الصحيحة فيها وتجذيرها، وتحميها من الوقوع في الأخطاء والممارسات الميكافيلية، وتكرس الآليات اللازمة التي تحميها من الممارسات الديكتاتورية والنفعية والقدرة على إيقاف أي منزلق يؤثر على بنائها ووجودها المجتمعي.
إن التلازم بين الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني ظاهرة ديمقراطية متميزة تقلل من أعباء الحكومة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فهذه المؤسسات تعد من أهم قنوات المشاركة الشعبية ومجالاً خصبًا لترويج مبادئ الديمقراطية وممارستها أثناء قيامها بأنشطتها المجتمعية المختلفة، والتنسيق بين مصالح مختلف الجمعيات يخلق منها قوة تكمل دور الدولة في رفع مستوى فاعلية هذه المؤسسات بتطوير قدرات المواطنين لتعزيز أهمية الحقوق والواجبات في الدولة الديمقراطية، وفي تنمية الثقافة الوطنية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وكرامته. كما أن هذه العلاقة قادرة على فضح الممارسات السياسية والاقتصادية الفاسدة والمستبدة، ونقل الواقع بصدق وأمانة، مما يؤدي إلى انبعاث مجتمع مدني ديمقراطي. ويرجع تعثر أي تحول ديمقراطي إلى غياب أو وقف نمو المجتمع المدني، ومن أجل بناء ديمقراطية رصينة لابد من بناء مجتمع مدني قوي، فهذه المؤسسات هي القادرة على ضبط موازين المعادلة الديمقراطية وإنضاج فرص نجاح التحول الديمقراطي، وهذا ينبع من طبيعة المجتمع المدني وما تقوم به مؤسساته من أدوار ووظائف في المجتمع لتصبح بذلك بمثابة البنية التحتية للديمقراطية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .