العدد 2170
الثلاثاء 23 سبتمبر 2014
banner
بلقنة العرب... هنتنجتون لم يمت إميل أمين
إميل أمين
الثلاثاء 23 سبتمبر 2014

قضية واحدة تجمل ما يجري في الشرق الأوسط من البداية إلى النهاية، ومن الوقائع إلى الملابسات ومن النتائج إلى التداعيات، إنها قضية تفكيك المنطقة، واستعلان شرق أوسط جديد، حسب الهوى والهوية الأميركية.
وفي الطريق لتحقيق مثل هذا الهدف الاستراتيجي تتعدد التكتيكات وتتباين الآليات الأميركية لكن الهدف في كل الأحوال يبقى ظاهرا أمام عيون طالبيه، حتى وإن أخذتهم التضاريس إلى الطرق الدائرية.... هل من بينها بلقنة دول الشرق الأوسط على غرار ما حدث في دول البلقان في تسعينات القرن المنصرم؟
ربما يكون العراق وما يعتريه نموذجا على بلقنة العرب إن صح التعبير وهنا يحق لنا أن نتساءل هل داعش التي باتت اليوم المهدد الأول لوحدة العراق كانت لتغيب عن ناظري “صانعي الأمطار السوداء” في واشنطن أم أنهم أداة من ضمن أدوات سايكس بيكو الثانية؟
ليس سرا القول إنه غداة إطلاق شرارة الحرب في سوريا انتقل العديد من الناشطين من ليبيا إلى سوريا، وانضموا إلى نفر غير قليل من أفغانستان والبوسنة والشيشان وغيرها من البلدان.. من سلح داعش ومن مولها والأهم لماذا؟
حال العودة إلى صحيفة النيويورك تايمز في عددها الصادر بتاريخ 26 مارس 2013 نجد توثيقا لما جرى حيث قامت جهات بعينها بجلب أسلحة من كرواتيا خصيصا للداعشيين الذين تسللوا إلى سوريا من تركيا والأردن، عبر شبكة نظمتها الاستخبارات الأميركية، وهكذا بدأت البلقنة الجديدة في الشرق الأوسط.
قبل بضعة أيام تحدث الجنرال “دافيد بترايوس” قائد قوات التحالف في العراق سابقا، وصاحب الاستراتيجية التي قضت على المواجهات الطائفية التي اندلعت هناك في 2006 بالقول: “إنه لا يجب أن تتدخل أميركا في العراق عسكريا من جديد ولا ينبغي أن تصبح واشنطن قوة جوية لحماية الميليشيات الشيعية”.
كلمات بترايوس تدفعنا للتساؤل هل كانت وكالة الاستخبارات المركزية CIA ووكالة الأمن القومي NSA وكل شبكات الرصد الجوي، وعملاء واشنطن على الأرض، يغطون في نوم أهل الكهف، حينما تسلل رجال داعش إلى العراق، وها هم يقتربون من بغداد؟ أم أن الأمر برمته كان مقصودا؟
الجواب يعود بنا إلى سيناريوهين تلتقي فيهما المصالح، الأول هو إعادة الكرة لجهة نفس سيناريو التقسيم عبر البلقنة العراقية التي يمكن أن تلحقها السورية وهكذا.
والثاني مواجهة القطب القادم للعالمية وقطع الطريق عليه.
يحدثنا “مانيلو دينوتشي” الجغرافي والجيواستراتيجي الإيطالي الشهير عن “وجه خفي للذي يحصل في بلاد الرافدين، نفهم منه أن واشنطن لم ولن تهتم في صد هجوم داعش، لأن هدفها الأبعد هو السيطرة على دولة عراقية مفككة بعد أن انقلبت عليها إدارة المالكي انطلاقا من خلفيات عقائدية لا تقبل الشراكة”.
باختصار غير مخل نقول إن واشنطن التي تكبدت نحو 3 تريليونات دولار وربما أكثر منذ غزو العراق، تجد اليوم نفسها في منافسة مع الصين التي أصبحت أكثر حضورا في العراق، بكين تشتري من العراق نحو نصف إنتاجه النفطي وبنماء متزايد، وتنجز استثمارات كبيرة في الصناعة الاستخراجية.
من بكين إلى بغداد، وجد “وانغ يي” وزير الخارجية الصيني الطريق معبدا لتوقيع اتفاقيات ترمي لإمداد العراقيين بأسلحة صينية، ومن بغداد إلى بكين ذهب المالكي ليشارك في مؤتمر سبل التفاعل وبناء الثقة في آسيا، والذي انعقد في شنغهاي وحضره الرئيس الإيراني حسن روحاني.
لن تقبل واشنطن أن تخرج صفر اليدين من العراق، ولهذا كان سيناريو البلقنة الأكثر فعالية لإشعال الحريق المذهبي بين السنة والشيعة، الأمر الذي يمكن لواشنطن من خلاله تقسيم العراق إلى ثلاث دول كردية وسنية وشيعية، وتحقيق السيناريو الذي مرره عبر مجلس الشيوخ في عام 2007 نائب الرئيس الحالي جو بايدن.
الصراع على العراق ومن حوله يعود بنا كذلك في جانب منه الى منظومة ذهنية تصادمية باتت تطل علينا من جديد.. صراع القوميات، وتناحر الهويات والحضارات، فأميركا المسيحية – اليهودية، ها هي تقطع الطريق على التحالف الإسلامي – الكونفوشيوسي الذي يمكن أن ينشأ ويرتقي عما قليل.
الخلاصة: هنتنجتون لم يمت... إنه يتكلم بعد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .