حتى في المملكة العربية السعودية الشقيقة مركز المسلمين وقلب الإسلام لا توجد مغالاة في الدين وخطب المساجد وصوت مكبرات الصوت العالية والخطب الطويلة المسيسة، أما في مصر والإمارات العربية المتحدة والأردن والمغرب وغيرها من الدول العربية فقد نظمت هذه المسألة وما أعرفه أن هناك قانونا ينظم نقل الصلاة من غير مكبر للصوت باستثناء الأذان الذي يكون محدد المستوى ولكن ما يجري في البحرين يبدو أن الإخوة في وزارة العدل، إدارة شؤون المساجد، لا يتابعون ما يجري ولا يصل صوت مكبرات الصوت إلى منازل وبيوت المسؤولين فيها وذلك عمدا من قبل القائمين على تلك المساجد لعلمهم بوجود قانون يمنع ذلك، أما في بقية المناطق فحدث ولا حرج، وسبق أن تحدثت مع بعض المسؤولين في ذلك ووعدوا بمتابعة الموضوع وتطبيق القانون وها نحن ننتظر.
لماذا المغالاة ولماذا المزايدة؟ عندما تكبر الحقيقة وتتضخم تظهر ولا يستطيع أحد إخفاءها، وكلما كبرت كلما تورط من يخفيها لعدم تمكنه من استمرار التظليل في الإبقاء عليها طي الكتمان ولذلك كل ما كبرت الحقيقة كل ما احتار اعداؤها الاحتفاظ بها في سرداب الوقت الذي لا يرحم حين ينكشف المستور وحين تئن الحقيقة تحت وسادة من يخفونها قسراً وهم كثيرون في هذا الزمن ممن لا تسمح مصالحهم بعبور الحقائق حتى لو كانت تتعلق بحياة البشر وضد الواقع وضد المنطق والمشكلة التي تشكل هي الأخرى الحقيقة المفقودة ان الناس للأسف الشديد لا بصدقون الحقيقة.
من الحقائق التي وضحت وانكشفت ولم تعد خافية على أحد لا في البحرين ولا في العالم العربي والإسلامي والعالم أجمع أن بعض رجال الدين اليوم هم بالدرجة الأولى رجال سياسة ويعملون في السياسة وأهدافهم سياسية، سواء خطب في المسجد أو ألقى خطبته يوم الجمعة أو رشح للبرلمان أو كان ناطقا باسم جمعية أو حزب أو نجح في الانتخابات أو لم ينجح وسواء أبكى الجمهور بخطبته أو أضحكهم وسواء كان جادا أو ساخراً فهو سياسي ابن سياسي عن جد سياسي وكل ما يتنفسه سياسة.
هذه الحقيقة التي لم تعد اليوم تخفى على أحد فالذي يريد أن يكون في مقدمة الصفوف والذي يريد النجاح والبروز والذي يفتقد الكاريزما ويريد ان يعتلي المنبر فعليه ألا يفصل بين العبادة والسياسة، فالسياسة اليوم هي الجواز السري لرجل الدين الى النجاح وإلى اعتلاء سدة البرلمان أو الوزارة أو المنصب الحكومي الكبير أو المكانة الاجتماعية التي توازيه مع منصب الوزارة وهو الذي يستقبل الفاتحين في كل مناسبة وهو الذي تنهض في حضوره الرؤوس الكبيرة وهو يدخل المكان وصاحب الكلمة والناطق باسم المنطقة وهو الذي يستضاف في كل البرامج الإذاعية والتلفزيونية حتى لو لم يكن الموضوع هو الدين. حتى لو كان الحديث في الاقتصاد والفيزياء والعلوم الإنسانية وحتى لو كان الحديث في الرقابة المالية والحسابات البنكية فهناك مكان في البرامج الحوارية وغيرها له، أليس هو السياسي المحنك وأليس هو المشرع الأوحد وأليس هو الناطق باسم الحقيقة من دون الجميع؟ على الدولة أن تستمع له وعلى الشعب أن يطيعه.
هناك تناقض صارخ في المستوى الذي يراد من الناس تصديقه في التعامل مع رجل الدين، فهو من جهة يتحدث في كل شيء ويخوض في كل الموضوعات ويحشر نفسه في الصراعات ويترفع عن الناس والآخرين باعتبارهم أصغر من عقل النملة عقولهم عنده، وأقل علما منه وأقل إدراكا للأمور عنه بل وأحيانا لا يتوانى عن شتم الآخرين وتحقيرهم ولكن عندما يراد الرد عليه وعندما يراد من المشتوم أن يدافع عن نفسه فلا أحد يستمع الى الآخر ولا احد يسمح بالرد عليه ولا احد يجرؤ على مناقشته أو افحامه أو حتى مجرد التحاور معه بحجة أن في ذلك إساءة الى الدين.