العدد 2166
الجمعة 19 سبتمبر 2014
banner
في العراق... كنا نتمنى على السيد العبادي د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الجمعة 19 سبتمبر 2014

منذ زمن لم يكتب للشارع العراقي أن يبدو متفائلا، أو على الأقل يأمل من العملية السياسية التي ورثها عن الاحتلال نفعا، مثلما بدا عليه عشية إعلان اختيار السيد حيدر العبادي مرشحا لرئاسة الحكومة العراقية، لم يكن التفاؤل مرتبطا بشخصية العبادي بقدر ارتباطه بتنحية المالكي الذي شكلت هيمنته على مقاليد الأمور كابوسا أرق غالبية العراقيين، فهو القائد العام للقوات المسلحة، ورئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ووزير الداخلية، ووزير الأمن الوطني، وبسط يده على القضاء والمحكمة الدستورية، وعلى أمانة البنك المركزي، ومفوضية الانتخابات، وهيئة النزاهة، وعطل دور مجلس النواب وشل سلطاته الرقابية والتشريعية، وتدنى مستوى تقديم الخدمات العامة “الماء والكهرباء والوقود”، وتدهورت حالة البنية التحتية، ولم يحقق للعراقيين خلال ثماني سنوات من حكمه غير انهيار الأمن وشيوع الفساد والرشوة، فالعراق ثاني او ثالث أسوأ بلد في انعدام الأمن وشيوع الفساد في العالم، وبغداد أسوأ مدينة للعيش، و60 % من العراقيين فقراء ودولتهم على بحر من النفط، والبطالة ضاربة أطنابها بين الشباب، والقائمة طويلة ومزعجة، أيتام، وأرامل، ومطلقون ومطلقات، ومهجرون في الداخل والخارج.
تفاءل العراقيون خيرا بالعبادي ومازال التفاؤل قائما رغم انخفاض مستواه وتراجع وتيرته ولاسيما بعد تشكيل الحكومة الجديدة، كان الناس يتمنون من العبادي ان يخرج عن الأطر التي اتبعها سلفه ويكسر الرتابة الثقيلة التي تحكمت بمفاصلها، وأن لا يرجع إلى المحاصصة الطائفية والعنصرية التي أصابت الدولة العراقية بمقتل، فقد اكدت الأحدات أن لا ترافق ولا توافق في الشراكة بين فرقاء القسمة، وإنما الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق. وكان الأمل أن ينفرد السيد العبادي باختيار وزرائه بحرية على أساس الكفاءة والمهنية والنزاهة والحزم، وزراء أقوياء بمهنيتهم وتجاربهم، ويرفض اي اعتراض تشم منه رائحة التوازن والمحاصصة المناطقية والفئوية، فخاب الأمل الأول وما أصاب السهم مرماه.
وكنا قد استبشرنا خيرا حينما سرب العبادي لبعض خاصته انه ينوي اختزال عدد الوزارات لإحكام الربط والحل والعقد واختصار النفقات، ولكن الأمل تهاوى حينما تشكلت الحكومة بعدد مترهل من الوزارات، وكانت خيبة الأمل الثانية، أما الوكسة المؤلمة فقول العبادي إنه لا يعرف شيئا عن سيرة بعض الوزراء لأنه لم ينتقهم بنفسه وإنما بالتوافق، وتلت كل هذه المرارات مرارة عدم تعيين وزيري الدفاع والداخلية.
وزارتان كان البلد أحوج ما يكون إليهما، وضاعت نصف الأحلام والآمال والتوقعات حينما رأينا عودة الوجوه القديمة التي ملها وكرهها العراقيون ولم يقبضوا من وعودهم وتصريحاتهم شيئا، ونام نصف العراقيين على اقل تقدير ليلة إعلان تشكيلة الحكومة ممتعضين وأغمضوا أعينهم على نكد، ووضحت الصورة وتجلت أكثر باختيار رئيس الجمهورية لنواب ثلاثة، ومن بينهم نوري المالكي، وكان الأجدر به أن يترفع وينأى بنفسه عن تحمل المسؤولية وهو من أخفق بحملها يوم كان المسؤول الأول.
ومع كل هذه الإخفاقات مازال الأمل معقودا على العبادي والفرصة أمامه مازالت مفتوحة الأبواب، ومازال المثقفون يتلمسون العذر للعبادي فالتركة التي ورثها من سلفه ثقيلة، ويحتاج إلى وقت ليشد أزر مناصريه ويتمكن في موقعه، ويمسك الزمام بيديه وليس من الممكن أن يستطيع تحقيق المثال في كل ما يريد قبل تولي منصبه، وكل هذه الإخفاقات من الممكن إصلاحها وتلافيها لاحقا، وإذا شاء العبادي أن يصبح زعيما وقائدا لا مجرد رئيس حكومة ربما لا تعمر طويلا. فقراره المبدئي بإيقاف قصف المدن المأهولة حفاظا على سلامة أهلها، والتزامه للشعب ألا يرخص بحمل السلاح لغير قوات الجيش والشرطة الرسمية لقي استحسان الكثير، عدا قرارين صائبين إذا نجح في تنفيذ بنودهما وحرص على تطبيقهما بمثابة جسر للعبور الأول نحو بناء وطن يحتضن شعبا موحدا ودولة رصينة، ونقطة مركزية لحفظ أمن وسيادة العراق.
لابد للعراقيين أن يمنحوا الرجل فرصته، ويضع الله سره في أضعف خلقه، فما بالك بالعبادي الذي يفترض أنه عقلية علمية، وعاش في بلد أوروبي عريق في التجربة الديمقراطية كبريطانيا وذاق مرارة التعسف باستخدام الحق حينما فقد أخويه بسبب اتجاهاتهما السياسية وخبر تجربة الغربة وكلها دروس تعينه على اتخاذ القرار الصائب وتلافي أخطاء الآخرين والحكيم من اتعظ بغيره.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية