العدد 2019
الجمعة 25 أبريل 2014
banner
العراق.. أعراس انتخابية أم حملات دموية؟ د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الجمعة 25 أبريل 2014

غالبا ما تقرن الانتخابات في البلدان التي تعيش بكنف حكومات مدنية متحضرة بالأعراس، فيقال يعيش البلد الفلاني عرسا انتخابيا، إلا في العراق، فإن الناخبين يقترعون بالدم القاني والدموع الساخنة، فنزف الدم وإن لم ينقطع في العراق منذ أن وطأت أقدام الاحتلال بلاد الرافدين، فإن حكومة السيد المالكي والمليشيات الطائفية الموالية له صعدت حملات الموت القمعي، لتصبغ دعاية حملته الانتخابية بدم الضحايا الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء في المدن العربية الثائرة.
فمع مطلع العام اصطنعت الحكومة معركة هزلية زجت الجيش بكوميديا سوداء ادعت فيها تطهير صحراء الأنبار من ذيول داعش والقاعدة، وفي الحقيقة هدفها تأمين الطريق أمام أفواج المقاتلين المتطوعين من المنطقة الجنوبية للالتحاق بلواء أبي الفضل العباس إضافة إلى تسهيل عبور فرق الحرس الثوري الإيراني عبر الصحراء إلى سوريا لدعم نظام الأسد الجائر. بعد أن تعرضت كتائبهم في طريق عبورها من لبنان إلى سوريا للكمائن.
ومع اشتداد حملة التفجيرات التي ضربت العاصمة بغداد والمدن الحيوية اثر تفاقم الصراع بين أقطاب العملية السياسية التي تركها الأميركيون خلفهم، ألقى المالكي المسؤولية على مدن الأنبار والعرب السنة مدعيا أنها أصبحت حواضن للقاعدة وداعش ظنا أنه سيضرب أكثر من عصفور بحجر، فأعلن من كربلاء انه وكيل الإمام الحسين وأن حربه على الانبار مقدسة لأنها ضد أتباع يزيد، وبينه وبينهم بحر من الدم، وعوضا عن عودة القطعات العسكرية من صحراء الانبار إلى قواعدها، أمرها بمحاصرة الفلوجة والرمادي وفض الاعتصامات الشعبية المحتجة على سياسته الخرقاء “فرق تسد”.
في حسابات السيد المالكي أنه سيكسب بفعلته هذه أصوات الشيعة في الانتخابات البرلمانية، ويحسم المعركة لصالحه بعد كسر شوكة الاحتجاجات المعارضة في الانبار وإسكاتها بقوة الحديد والنار واستثنائهم من التصويت بالانتخابات، خصوصا بعد أن يتم تهجيرهم تحت القصف إلى المحافظات، فلا يتسنى لهم الإدلاء بأصواتهم، وبالفعل تعذر نتيجة العمليات العسكرية إجراء الانتخابات في الانبار التي يبلغ تعداد سكانها نحو ثلاثة ملايين نسمة، على أمل أن يستتب له الأمر ويحظى بولاية ثالثة فيواصل تغوله بالسلطة، وتفرده بالحكم مدى الحياة.
أدرك أهل الأنبار خبايا رئيس الحكومة فتعاون سكان المدن مع أبناء العشائر العربية، وعقدوا العزم على إفشال خطته ومقاومة الاستبداد، وعدم السماح لقوات المالكي باستباحة مدنهم فوقفوا له بالمرصاد يقاومون هجماته بشراسة، وهم الذين سبق لهم أن نازلوا الأميركان وجها لوجه ولقنوهم دروسا في حرب المدن لن ينسوها، وبعد امتصاص هجمات قوات دولة رئيس الوزراء، بدأت فرقهم تبادر بالهجوم فتوقع بعصاباته ومليشياته أفدح الخسائر، واليوم تنتفض ست محافظات تأييدا للأنبار ضد سياسة المالكي، الانبار، وديالى، وصلاح الدين، ونينوى، والتأميم، وبابل، وباتت بغداد على مرمى حجر من ثورة أبناء العشائر وامتدت إلى محيطها الاشتباكات.
ولم يدر بخلد السيد رئيس الوزراء أن ينقلب السحر على الساحر. وباتت أقوى وأغلب الكتل الشيعية في البرلمان وعلى رأسها الكتلة الصدرية والمجلس الإسلامي الأعلى ترفض سياسة الحكومة الدموية، وتتعاطف مع مواقف العرب السنة ومطالبهم وحقوقهم المشروعة، وفقد الأكراد ثقتهم بالمالكي ووعوده، وبات التغيير على الأبواب، ولم تفلح حملات الدهم وحرق المساجد والبيوت ومحلات العرب السنة وقتل وإعدام عشرات الشباب أمام منازلهم في ديالى التي تقوم بها المليشيات الصفوية التي تأتي بملابس عسكرية وسيارات الدفع الرباعي الحكومية بالتعاون مع المليشيات الإيرانية لقربها من الحدود، لتفعل فعلها وتنسحب بلا ملاحقات.
وإزاء تبلور الموقف، ازداد هوس السيد المالكي فلم يكتف بمهاجمة المكونات الوطنية العراقية، وتلويحه بإعلان حالة الطوارئ لتأجيل الانتخابات، بل أطلق لنفسه عنان الحديث بالنقر على وتر النعرات الطائفية والمذهبية والعنصرية، فتجاوزت تصريحاته الحرب على شعبه في الداخل إلى الدول العربية، معلنا الحرب الإعلامية على المملكة العربية السعودية ودول الخليج، واختار الاصطفاف إلى أعداء العروبة منزها بسكوته إيران متناسيا دورها الخبيث في إثارة الفتن في العراق سوريا ولبنان واليمن وسائر الدول العربية.
وعلى الرغم من تشاؤمنا من نتائج الانتخابات سواء أفاز بها المالكي بالتزوير والترهيب والترغيب، أم هوت به في القاع؟ فلاشك يعد خيار التغيير أهون الشرين، في انتخابات اختار لها منظموها أن تعمد بدم الشهداء ودموع اليتامى، وأنين الثكلى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .