العدد 2011
الخميس 17 أبريل 2014
banner
الأنبار في العراق.. أزمة أم كارثة؟ (10) د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الخميس 17 أبريل 2014

واقع العرب السنة في العراق تجاوز كل مستويات ومراحل الحدث، والصدمة، والصراع، والمشكلة، والأزمة، ليصل إلى مستوى الكارثة وأكثر، ولنتبين مفهوم الكارثة علينا فهم الفروق بين المستويات التي تحصل على الأرض فالخلط الآلي بين المفاهيم أدى إلى تهوين الأمور محليا وعربيا وعالميا، وعدم إعطائها الاهتمام اللازم.
الحادثة: أمر مفاجئ وقع لخلل بمكوّن تم إصلاحه ومضى لم يترتب عليه تهديد شامل. والصراع: تعرض هيكل القيم الرمزي للخلل والاضطراب بدرجة لا تصل إلى تحدي الثوابت الأساسية. والصدمة: شعور فجائي حاد لحادث تداخل فيه الغضب بالذهول والخوف. والمشكلة: توتر وعدم رضى لصعوبات تعوق تحقيق الأهداف، فإذا اتخذت مسارا حادا ومعقدا دون حل سريع تراكمت تبعاتها لتصبح أزمة.
والأزمة: لحظة حرجة تعني تهديدا خطرا للأهداف والقيم والمعتقدات والممتلكات والأفراد والمجتمع والبنية الأساسية للدولة، وتنجم عن تراكم مجموعة التأثيرات السابق ذكرها كالمشاكل أو خلل مفاجئ يؤثر في مقومات النظام الرئيسية ويعرقل اتخاذ القرارات الصائبة، وتؤدي الأزمات المتتابعة إلى اختلاط الأسباب بالنتائج فيفقد صانع القرار قدرة السيطرة على الأمور، وتفاقم الأزمات وتعددها، قد يفضي إلى كارثة تدمر الأعمدة الرئيسية لحياة الفرد والمجتمع وخسائر في القيم والموارد البشرية والمادية، فالكوارث وليدة الأزمات.
ومنذ الاحتلال الأميركي للعراق لم تعد الوقائع والحوادث اليومية تحصى وتعد كالنهب والسلب والاستيلاء على أموال الغير والقتل والاختطاف ولم تحل في وقتها، فتحولت إلى صراع طائفي وعرقي وحزبي تجاوز حد الثوابت وأفضى إلى صدمات، فالعراق في الدستور الجديد ليس عربيا، وإنما العرب وهم 80 % من الشعب العراقي جزء من الأمة العربية، حالهم كحملة الجوازات المقيمين في بلدان أجنبية، ومحافظة الانبار مساحتها ثلت مساحة العراق وسكانها 100 % عرب، ليست عربية وإنما أهلها فقط جزء من العرب، أما الأرض فلا، لكن ثلاث محافظات ذات أغلبية كردية يطلق عليها إقليم كردستان! صدمة من الصدمات المروعة وما أكثرها، عدت بعد الاحتلال إلى العراق وكان الجنود الأميركان يدققون جوازات سفرنا، ويفتشون عفشنا وسياراتنا، في حين يدخل المحتلون بلا جوازات ولا تفتيش. المليشياوي الصفوي بسلاحه وسيارته العسكرية في شارع الرشيد قرب تمثال الرصافي يسأل أين شارع الرشيد؟ وقائع وصراعات وصدامات لم تجد لها حلولا ولم تقف تداعياتها فتحولت إلى مشاكل عديدة.
العراقيون الحاصلون على الجنسيات الأجنبية وفدوا على الدبابات الأميركية وهيمنوا على المواقع الحساسة والوظائف الرفيعة والأموال والسلطة غير راضين ويطلبون المزيد، والأكراد الذين لم تحصل أقلية منهم في اي بلد على ما حصلوا عليه في العراق غير راضين ويطالبون بالمزيد، والعرب السنة في نينوى وصلاح الدين والأنبار يقتلون ويختطفون ويجتثون ويهمشون عليهم الرضا والشكر على المأساة للعملاء والأميركان وإيران لأن الاحتلال والقهر غنيمة! تتابع المشاكل خلق أزمات، في المحاصصة، في المجلس النيابي، في الوزارات، في الأقاليم، في الجوار والتعايش، في اغتصاب المساجد والأراضي والقوت والحقوق، حق التعبير والاعتقاد والفكر وحق الحياة، فقوانين الإرهاب والاجتثاث على الرؤوس، القضاء والجيش سُيّسا، ورئيس الحكومة استحوذ على المؤسسات السيادية والوزارات، وأزمات الخدمات والماء والكهرباء والمجاري، والصحة والنقل والأمن.
تفاقم الأزمات ولّد الكوارث، التفجيرات، القتلى والجرحى، والإعدامات، وانتهاك حقوق الإنسان، وسرقة المال العام، وفرار المجرمين، وانتشار المليشيات والاغتيالات والتصفيات الجسدية، العراق من أفقر الدول كاليمن وموريتانيا، ونسبة الفقر فيه 70 % وميزانيته الأكبر في المنطقة، وفيه أربعة ملايين يتيم، ومليونا أرملة، وخمسة ملايين لاجئ خارج البلد، العراق أسوأ بلد للعيش في العالم، وانعدام الأمن والفساد وانتشار الأمراض الخبيثة والفتن الطائفية والعرقية، وفق إحصاءات الأمم المتحدة واليونسكو ومنظمات حقوق الإنسان.
وكارثة الأنبار أشد، خيم في الأنبار الأميركان والقاعدة فأصبحت تدعى مثلث الموت، حوصرت وخاضت الحرب مرتين مع القوات الأميركية، ورجمت بنيران الأسلحة الثقيلة والمحرمة، والثالثة بين أهلها والقاعدة، والرابعة مع قوات سوات والمليشيات الصفوية، والجيش والشرطة، هجر أهلها ثلاث مرات، واليوم مهمشون يداهمون ويعتقلون ويعذبون ويعدمون ويفض اعتصامهم بعد الحول بالنار والحديد، ويسلب حقهم بالانتخاب، في حين يحق للأجنبي من أم عراقية بالتجنس الانتخاب، فهل من كارثة أقسى وأشد وأعظم، وهل من ضريبة يدفعونها عن عقيدتهم وأمتهم أقدس وأوجب؟ فأين العرب الصامتون عنهم؟ حسبنا الله ونعم الوكيل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .