العدد 2010
الأربعاء 16 أبريل 2014
banner
الأنبار في العراق... أزمة أم كارثة؟ (9) د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الأربعاء 16 أبريل 2014

يعيش العرب السنة في الأنبار ومدينة الفلوجة كارثة إنسانية بكل المعاني والمعايير، هم يعيشون اليوم ما بين مطرقة الحكومة الطائفية بجيشها ومليشياتها، وسندان داعش والقاعدة، وما يصيبهم من حصار وقصف جوي وبري وسقوط ضحايا وتدمير وتشريد لا يوازيه إلا ما أصاب غزة على يد العصابات الصهيونية، وما تفعله المليشيات الصفوية التي قدمت من إيران بعد الاحتلال لتضطهد العرب السنة تقتل وتغتصب وتساوم وتبتز، لم تفعله إلا عصابات الصهيونية في دير ياسين بفلسطين وبمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا بلبنان، وكأن الفصيلين المجرمين هذا وذاك من طينة واحدة..
 هذه المليشيات الصفوية المسلحة وعددها 26 فصيلا جذورها مرتبطة بالحرس الثوري بإيران وفروعها في بغداد ترعاها الدولة، تستخدم سياراتها ذات الدفع الرباعي، وترتدي الزي الرسمي وتتجول بحريتها، ترتكب فظائعها على مرأى قوات الأمن، تقطع الطرق وتقيم مفارز التفتيش وتتصيد ضحاياها وتحديدا العرب السنة، وكثيرا ما تنفذ مهامها قرب المراكز الأمنية ومقرات شرطة وبحمايتها ومساندتها تنسحب بأمان من دون ملاحقة، والدليل لم تقاض الدولة يوما أحدا من هذه المليشيات التي تصول وتجول في بغداد وديالى ونينوى وصلاح الدين والمناطق ذات الأغلبية السنية.
 المليشيات الصفوية من أجهزة الدولة الأمنية الطائفية، وكم خطيب منصة من منصات الاعتصام ومنظميها اغتيل على يدها انتقاما وترهيبا؟ المليشيات الصفوية بمكرها ودهائها أسوأ وأخطر من القاعدة، القاعدة تقتل معارضيها من الشيعة والسنة، فليس لها مذهب ولا تتلقى دعما حكوميا، وكم قتلت علماء دين وخطباء مساجد سنية، القاعدة تفجر في السعودية والأردن ومصر والمغرب وهي مركز قيادة الإسلام السني، وهي محاربة بشدة ومطاردة في كل الدول العربية وملاحقة عالميا، لكن المليشيات الشيعية محتضنة في إيران وسوريا والعراق ولبنان واليمن. القاعدة تعتمد على الانتحاريين وتقتل “عامي شامي”. والمليشيات الصفوية تختص بقتل العرب السنة، تختطف العشرات بحافلات تتنقل بهم من مكان لآخر بحرية دون مطاردة، اختطفت من العرب السنة العشرات في وزارة التعليم العالي، واختطفت أعضاء اللجنة الاولمبية من قاعة الاحتفال قتلتهم ومثلت بأجسادهم، تختطف وتقتل على الهوية، فهي بطائفيتها أشد إجراما من القاعدة.
والحكومة العراقية استثمرت إجرام القاعدة وإجرام المليشيات، هي في فض اعتصام الحويجة بالرصاص الحي والقوة المفرطة، قتلت من العرب السنة العشرات وجرحت المئات وأحرقت الخيام والسيارات ومنعت سيارات الإسعاف عن الجرحى، وعاش المعتصمون أهوال الساعة، فاضطر الناس إلى ركوب موجة العنف، الحكومة وقوات الأمن بفض الاعتصام نشرت الحقد والغلظة والكراهية في نفوس المواطنين، فتمردت عشرات القرى، وفي كل قرية يدخلها الجيش والمليشيات يتكرر مشهد حرق البيوت وسرقتها، وقتل المواطنين واعتقال النساء، فدفعت همجية الدولة المواطنين البسطاء المظلومين إلى احتضان القاعدة بينهم بقصد الثأر لضحاياهم، فالدولة بظلمها تقتل العرب السنة تارة بالمليشيات المقيتة وتارة بالقاعدة وأخرى بطائراتها ومدفعيتها حين تقصف المدن السنية بحجة القاعدة.
الحكومة العراقية والساسة الجدد أسهموا بدخول القاعدة إلى المدن لتكون مبررا وذريعة لتصفية العرب السنة جسديا، ولم يكن للقاعدة وجود من قبل، الحكومة الحالية هي التي تآمرت على أمن الشعب وسلامته ولم تحم حدود العراق، المليشيات الصفوية جاءت على الدبابات الأمريكية في طليعة الغزو، والقاعدة دخلت خلف الأمريكان. حكومة المالكي أكان يعلم أم لا يعلم هي التي مهدت لفرار المئات المساجين من السجون في أكثر من حالة لينتشروا في العراق ويعاودوا عملياتهم الإرهابية والإجرامية ضد العرب السنة ويجعلوا منهم هدفا لمدافعهم وطائراتهم، وطعما للمداهمات والاعتقالات، وتشريد الأسر كما هو حاصل.
 داعش صناعة سورية بقصد أو بغيره، ولم تكن موجودة في العراق قبل أشهر، وكان أنصارها يتدربون في الصحراء على الحدود العراقية السورية ومنها يشنون هجماتهم على أهدافهم، وبعد مقتل الجنود السوريين الذين فروا من نيران الثوار ليحتموا بالقوات العراقية التي حاولت إعادتهم إلى سوريا فقتلوا في الطريق، داهم الجيش العراقي معسكرات داعش في الصحراء، ففر نفر منهم واضطروا إلى دخول مدن الأنبار تحت غطاء الحكومة العراقية، التي لم تحاول قواتها حماية المدن من خطرهم بل دفعهم إليها، لتجعل منهم حجة وسببا مقبولا لدى الأمريكان للاقتصاص من أهل الأنبار. فوجهت الحكومة جيشها من محاربة داعش إلى محاربة أهل الأنبار وهذه خلاصة القضية، وحبل الكذب قصير. وللحديث صلة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية