+A
A-

دراسة سيميائية تبحث البياض في شعر قاسم حداد

نوقشت دراسة نقدية في جامعة البحرين بعنوان “سيمياء البياض في شعر قاسم حداد”. ووظَّف الباحث المنهج السيميائي، بالإضافة إلى نظريات القراءة في تفسير البياضات ودلالاتها الجمالية لدى الشاعر قاسم حداد؛ وذلك استكمالاً لمتطلبات نيل درجة الماجستير.
وتوصّل الطالب في برنامج ماجستير اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة البحرين الزميل حسين الغديري، من دراسته النقدية الموسومة بعنوان: “سيمياء البياض في شِعر قاسم حداد”، إلى أنه لا يمكن حصر دلالات البياض في الشعر المعاصر في وظائف معينة، لاسيما في قصائد الشاعر البحريني قاسم حداد، الذي اتخذه الطالب منهجًا تطبيقيًّا لإجراء بحثه.
وناقشت الطالب في رسالته لجنةٌ ضمَّت كلا من: الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود معجب الزهراني (ممتحنًا خارجيًّا)، وعميد كلية الآداب الأستاذ المشارك في جامعة البحرين علوي الهاشمي (ممتحنًا داخليًّا)، والأستاذ المشارك في كلية الآداب بجامعة البحرين عبدالكريم حسن (مشرفًا).
جمع الحسنيين
واستهل الزهراني حديثه عن الدراسة بالقول إنني سعيد بمناقشة هذه الرسالة؛ لأنها تخص زميلاً عزيزًا وهو الشاعر قاسم حداد.
وقال إن الرسالة التي بين يديّ توشك أن تقول لنا إنها تجمع بين الحسنيين: الجانب المنهاجي المتمثل السيميائية، والجانب التطبيقي المتمثل في نصوص حداد.
وقال: توقفت عن الكتابة منذ سنوات عن حداد متهيّبًا أمام نصوصه؛ لأنه “شاعر تجارب” وليس “شاعر نصوص”، وفي كل قصيدة من قصائده نلمس التجديد، وهو من الشعراء الذين يدفعون التجربة الشعرية إلى الأمام.
وحثّ الناقد السعودي الجيل الجديد من الباحثين على تفادي أخطاء جيله من النقاد، وذلك في سياق حديثه عن ضرورة توحيد المصطلحات النقدية في الأبحاث العلمية.
جراءة ومغامرة
أما الهاشمي، فوجد في الرسالة أنها تشكّل في موضوعها “جراءة ومغامرة”، وتتّسم بالعمق في تحليلاتها للنصوص.
وتحدث الشاعر والناقد البحريني عن دراسة بريطانية عن مزج الألوان، واستثمرها للمقاربة في الدلالة على أن البياض الشعري لا يمكن أن يُرى إلا بوساطة السواد.
وقال إن أشعار حداد تستدرج القارئ، وإننا في هذا الصدد لسنا أمام شاعر وحسب؛ بل أمام “شاعر فيلسوف”.
وعن عنوان الرسالة الموسوم بـ “سيمياء البياض”، أكد الهاشمي أنه لا يمكن أن يُرى البياض في الشعر وحده إلا شكليًّا أو من ناحية فلسفية.
فصول الدراسة
وتتألف الدراسة من أربعةِ فصول: “مقاربة في مفاهيم البياض والسيميائية”، و”الوظائف العامة للبياض الشِعري”، و”قراءة الوظائف الخاصَّة بالبياض في شِعر قاسم حداد”، بالإضافة إلى “مقاربة في سيمياء البياض”.
ويحاول البحث تقديم تعريف دقيق لمصطلح البياض الشعري، وذلك بالوقوف على المصادر التي تعرضت للمصطلح، ومعالجة ما طرح في هذا الجانب.
كما يقدّم البحث دراسة تطبيقية للبياض وأثره في إنتاج الدلالة وتوالد النص الشعري، وذلك بوساطة قراءة البياضات بوصفها علامات دالة. ويتطرّق البحث أيضًا إلى القيمة الجمالية للبياض بوصفه بؤرة التفاعل بين النص والقارئ.
تباين العلامة
وتهدف الرسالة، إلى قراءة البياض بوصفه “رمزًا سيميائيًّا يستترُ خلفهُ نصٌّ خفيٌّ يتعيّن على القارئ كشفه، بالإضافة إلى ربط الشكل البصري للبياض المتجسّد في شِعر حداد، بالدلالة الجوهرية للنص الشِعري”.
وعن سبب اختيار الموضوع، أوضح الباحث أنه “يعود إلى خصوبة الكتابة في ظاهرة البياض، بالإضافة إلى عمق تجربة الشاعر حداد التي تستفزُّ الباحثين في اللغة لكشف ماهية المخلوقات الشِعرية الظاهرة والمستترة التي صاغها الشاعر في مُعجمه”.
وقال الغديري في كلمة قدّم فيها إيجازًا عن البحث: “يظهر البياض المتجسِّد في قصائد حدّاد متباينًا، مما يكلف الباحث مشقة حصر دلالاته في وظيفةٍ واحدة، فتارةً يكونُ مُبهرًا، أو متصوفًا، أو عميقًا في المعنى؛ لعمق تجربة الشاعر وتمرده، الذي يعكس صورة مختلفة للبياض في كل قصيدة”.
وأضاف: “على الرغم من أن الدارسات في ظاهرة البياض في الشعر الحديث لا تزال خصبة، وبخاصة التطبيقية منها، لم تخل مسيرة النقاد العرب والغربيين من التنظير إلى هذا الموضوع”.
وأشار إلى أن “الدراسات السابقة، استخدمت في دراسة البياض مناهج أخرى، غير المنهج السيميائي إلا دراسات معدودة منها”.
تابع: “لا يخفى على الدارسين ضرورة ربط الظواهر الحديثة بالتطبيق على النصوص الأدبية، لا سيما أن المنهج السيميائي قادر على الحفر في باطن النصوص واستجلاء الظواهر ودراسة أثرها في مضاعفة الدلالة”.
مكونات البحث
ويتكون البحث من مقدمة، وأربعة أبواب، وخاتمة. وقد تناولت المقدمة مجموعة من العناصر، وهي: سبب اختيار عنوان البحث، والجديد فيه، والدراسات السابقة له، وأهدافه، ومنهجه، وأهميته، وحدوده، وعقباته، ومكوناته.
أما أبواب البحث فهي أربعة أبواب. تناول الباب الأوّل مقاربة في مفاهيم البياض والسيميائية.
والباب الثاني وقف عند بعض الوظائف العامة للبياض الشعري، كتجسيد الأداء الشفهي، والفصل بين صوتين، ومعالجة تفاوت أطوال السطور الشعرية، وتأويل السطور البيضاء في القصيدة.
أما الباب الثالث فتطرّق إلى قراءة الوظائف الخاصة للبياض في شعر حداد التي تدور حول الأنا والآخر تحديدًا.
وأخيرًا في الباب الرابع، كانت هناك مقاربة عن سيمياء البياض. ويتطرّق هذا الباب إلى مجموعة من العناوين، منها: البياض بوصفه نصًّا داخل نص، وأثر البياض في توليد المعنى، وعلاقته بالسواد والتشكيل البصري، وتأويلُ النهايات المفتوحة للقصيدة، ودورُ البياض في عملية التفاعل بين القارئ والنص.
وتجمع الأبواب الأربعة للبحث بين الإطارين النظري والتطبيقي.
معالجة المصطلح
حدّد البحث مصطلح البياض بأنه كلُّ نقصٍ في النص يستوقف القارئ ويشعره بالحاجة إلى الإكمال، وبهذا تكون البياضات النصية ميدانًا خصبًا للتفاعل بين النصِّ والقارئ، مستشهدًا بقول ياوس: إن “اتحاد الكاتب والقارئ هو الذي يمنح الحياة للنص”.
أما المراد بـ “سيمياء البياض” فهو إعادةُ إنتاج النص في ضوء ملاحظة مواقع النقص في القصيدة؛ أي بوساطة قراءة العلامات الموجودة في تلك المواقع.
واستنتج الباحث من الفصل الرابع - وهو الفصل الأخير - أن “البياض هو الثيمة الأساس لتجسيد الإيقاع في قصائد الشاعر حداد. فمنذ المحاولات الأولى للشاعر في ممارسة الكتابة كان الصراع لديه جليًّا ومعلنًا بين الكتابة والمحو، واستمر هذا الصراع حتى المحاولات الأخيرة”.
وقال: “تمثل القصيدة لدى قاسم حداد تمرُّدًا وتحدّيًا في الشكل والمضمون. البياض يستشري في أجساد قصائده. انزياحات ملحوظة بصريًّا في أشعاره، ولا انتظام للسواد فيها”.
وتابع: “وهذا يعيد ذهن القارئ إلى جوهر القصيدة الجديدة، التي خلصت سوزان برنان إلى أنها (نوع من التمرد والحرية، تعني ثورة الفكر والنضال المتواصل للإنسان ضد مصيره، أكثر من كونها محاولة لتجديد الشكل الشعري)”.
التحدي
وقال الغديري إن “القصيدة لدى حداد دائمًا ما تتحدّى القارئ بصورة مكثّفة وموجزة، والبياض وسيلةٌ، وغالبًا ما يكون مقرونًا بالتحدي: “من يجسر على كسر هذا البياض الجميل؟”. ومن هنا يمكن أن تضاف سمة أخرى إلى شكل القصيدة لدى قاسم، وهي أنه يستحال أن تولد كاملة”.
وأضاف: “هنا تكمن القيمة الجمالية للبياض، من حيث إتاحةُ المجال أمام القارئ على المساهمة في إنتاج الدلالة. ففضاء القصيدة بوصفه مساحة مفتوحة يعد احتفاءً يسلك بالقارئ نحو فضاء مفتوح، متسعٍ باتساع البياض، لذلك قد تتقلص القصيدة لدى الشاعر في بعض الأحيان إلى سطر واحد أو بضع كلمات”.
وزاد: “ربما يذهب التفاعل بين النص والقارئ إلى ما هو أخطر من ذلك، فقد (يكون القارئ هو نفسه منتجًا آخر للنص... وقد يخلق القارئ فضاءات وعوالم تضيء النص أكثر من مناطق احتمالاته وتأويلاته القصوى). وهذا ما عبّر عنه سي هولب بـ (تصحيح سلوك مسار القراءة)”.
انتصار البياض
وقال الغديري في ختام كلمته: “تتجلى لدى حداد أثناء الكتابة العذابات، وكعادته يعيش القلق والمعاناة لحظة ممارسة فعل الكتابة. يفتح الورق ويمسك القلم، ولا يروم مقاومة البياض. القلم يرتجف بين الإصبعين، يكتب ويمحو تارة، ويتوقف عن الكتابة تارة أخرى، لا يعرف أن يكتب وكيف ومتى يكتب. توهُّجٌ وانفعالٌ نفسيٌّ وحالةٌ من التوتر تؤرِّق الشاعر أثناء الكتابة، إلى حد المحو”.
وخلص الباحث إلى أن “في شعر حداد إرادتين تتصارعان. إرادة الكتابة وإرادة المحو، لكن البقاء والانتصار للبياض”.
وقال إن “الصراع الدائر بين الإرادتين هو محور التفاعل بين النص والقارئ، وإن النص الذي لم يقرأه أحد لم يتشكّل معناه بعد”.
واختتم الباحث كلمته بتقديم الشكر والتقدير إلى المشرف على البحث الأستاذ المشارك بجامعة البحرين عبدالكريم حسن صاحب الفضل في إنجاز البحث بتوجيهاته القيمة. كما شكر الممتحنين الداخلي والخارجي على قبولهما مناقشة الرسالة.