"تمتلك 90 رأساً نووياً".. ماذا نعرف عن ترسانة إسرائيل النووية؟
بعد أن شنت إسرائيل هجومها ضد إيران متعهدة بتدمير برنامجها النووي لمنعها من إنتاج أسلحة نووية، عاد التركيز مجددا على الترسانة النووية الخاصة بإسرائيل.
فالقدرات النووية لإسرائيل، والتي يعتقد على نطاق واسع أنها تمتلك أسلحة نووية، لا تزال موضوعا أقل تداولا في النقاشات، رغم أن إسرائيل لا تعترف رسميا بامتلاكها تلك الأسلحة، ولا تنفي ذلك أيضا.
في هذا الشأن، قال جيفري لويس، وهو خبير في الشؤون النووية في معهد ميدلبوري، لقناة NBC الأميركية يوم الأربعاء: "كنا نسمي ذلك في السابق "غموضا"، في إشارة إلى موقف إسرائيل المتعمد في إضفاء الضبابية على برنامجها النووي.
وأضاف: "لكنني أعتقد أن الوصف الأدق في الوقت الحالي هو الإنكار غير القابل للتصديق".
90 رأساً نووياً
ورغم غياب الاعتراف الرسمي، تشير تقديرات العديد من وكالات الاستخبارات وخبراء مراقبة الأسلحة إلى أن إسرائيل تمتلك ما بين 80 و90 رأسا نوويا، وربما أكثر، وتملك القدرة على إيصالها باستخدام صواريخ باليستية، وطائرات مقاتلة، وربما غواصات نووية.
كما يُعتقد أن المفاعل النووي في ديمونة، الذي أُقيم سرًا بمساعدة فرنسية في خمسينيات القرن الماضي، هو مركز هذا البرنامج.
بدوره، يقدر "اتحاد العلماء الأميركيين" (Federation of American Scientists) و"معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" (SIPRI)، وهو منظمة دولية مستقلة تُعنى بأبحاث ضبط التسلح ونزع السلاح، أن إسرائيل تمتلك حوالي 90 رأسًا نوويًا، بحسب NBC نيوز.
"سياسة الردع بالغموض"
وبسبب سياسة الغموض الرسمية التي تنتهجها إسرائيل بشأن برنامجها النووي، تؤكد المنظمتان أن من الصعب تحديد الحجم الدقيق لقدراتها النووية.
وتهدف سياسة الغموض النووي الإسرائيلية، المعروفة بـ"الردع بالغموض"، إلى خلق رادع استراتيجي دون إثارة سباق تسلح مباشر في الشرق الأوسط أو مواجهة ضغوط دولية لتفكيك البرنامج.
وإسرائيل عضو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الهيئة الرقابية النووية التابعة للأمم المتحدة، إلى جانب إيران. لكنها، وعلى عكس طهران، تُعد واحدة من خمس دول - إلى جانب كوريا الشمالية، الهند، باكستان، وجنوب السودان - لم توقّع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهي الاتفاقية التاريخية التي دخلت حيز التنفيذ عام 1970 بهدف منع انتشار الأسلحة النووية. كوريا الشمالية، الهند، وباكستان تمتلك أيضا ترسانات نووية معترفا بها على نطاق واسع، رغم أنها خارج إطار المعاهدة.
ولكي تتمكن إسرائيل من الانضمام رسميًا إلى المعاهدة، فإنها ستكون ملزمة بالتخلي عن أي أسلحة نووية في حوزتها، فالمعاهدة لا تعترف إلا بخمس دول فقط كـ"دول نووية" شرعية، وهي: الولايات المتحدة، بريطانيا، الصين، فرنسا، وروسيا، وهي الدول التي امتلكت الأسلحة النووية قبل عام 1967.
"جزء من السياسة"
من جانبه، قال جون إيراث، مدير السياسات في "مركز ضبط التسلّح ومنع الانتشار"، للقناة الأميركية: "هم يتعمدون إبقاء قدراتهم النووية سرّية، وهذه جزء من السياسة التي يتبعونها".
وأشار إلى أن هذه السياسة تهدف جزئيًا إلى التأكد من أن "الخصوم المحتملين لا يعرفون ما تستطيع إسرائيل فعله في حال وقوع أزمة".
تطوير الترسانة النووية عام 1948
تشير السجلات التاريخية إلى أن قادة إسرائيل سعوا منذ تأسيس الدولة عام 1948 في أعقاب الهولوكوست إلى تطوير ترسانة نووية لضمان أمن إسرائيل، وفقا لـ"المكتبة اليهودية الافتراضية"، وهي موسوعة إلكترونية تنشرها منظمة "المشروع التعاوني الأميركي الإسرائيلي"، التابعة للمحلل السياسي ميتشل بارد.
وفي مذكرة رفعت عنها السرية تعود إلى يوليو 1969 وُجّهت إلى الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، قال وزير الخارجية هنري كيسنجر إن إسرائيل تعهّدت "بألا تكون أول من يُدخل الأسلحة النووية إلى الشرق الأدنى" كشرط للحصول على طائرات فانتوم من الولايات المتحدة، رغم أن هذا التعهّد بقي غامضا من حيث معناه وتطبيقه العملي.
فني نووي إسرائيلي.. "مردخاي فعنونو"
وقد أثار مردخاي فعنونو، وهو فنّي نووي إسرائيلي سابق عمل في مفاعل ديمونة النووي بصحراء النقب في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، ضجة عالمية عندما كشف تفاصيل وصورا سرية عن المفاعل لصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية.
فقد كشفت إفصاحات مردخاي فعنونو عن البرنامج النووي الإسرائيلي ما كان طي الكتمان لعقود، وأحرجت الحكومة الإسرائيلية بشدة، حيث قوّضت سياستها الراسخة في الغموض الاستراتيجي بشأن امتلاكها للأسلحة النووية.
فعنونو سُجن في عام 1986 بتهمة الخيانة بعد أن كشف هذه المعلومات، وأُفرج عنه في عام 2004 بعد قضاء 18 عامًا خلف القضبان، معظمها في الحبس الانفرادي.
وقال فعنونو في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) عام 2004:"لم أشعر أنني خنت، بل شعرت أنني أبلّغ. كنت أحاول إنقاذ إسرائيل من محرقة جديدة". وأضاف أنه لا يشعر بالندم رغم الثمن الباهظ الذي دفعه.
"عقبة رئيسية"
ويرى مراقبون، من بينهم مركز ضبط التسلّح ومنع الانتشار، أن سياسة الغموض الإسرائيلية تُعيق الجهود الإقليمية والدولية الهادفة لضمان الاستخدام السلمي للطاقة النووية في الشرق الأوسط.
وقال المركز على موقعه الإلكتروني: "انعدام الوضوح بشأن برنامج إسرائيل النووي يُعد عقبة رئيسية أمام إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط".
وأضاف أن التعهد العالمي بإنشاء هذه المنطقة، الذي أُقر في عام 1995، كان حاسمًا لتمديد معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) إلى أجل غير مسمى.
التصعيد مع إيران: ردع أم دافع للتسلّح؟
فيما حذّر خبراء من أن الضربات الإسرائيلية ضد إيران قد تأتي بنتائج عكسية، فبدلًا من ردع طهران، قد تدفعها إلى تسريع سعيها لامتلاك قدرات نووية.
قال جون إيراث: "من المرجّح جدًا أن تقرر إيران أنها بحاجة إلى قدرات نووية أكبر لردع مثل هذه الهجمات مستقبلاً". وأضاف: "هذا يضعنا على مسار شديد الخطورة".