العدد 5994
الخميس 13 مارس 2025
مجلس التعاون الخليجي والرؤية الاستراتيجية
الخميس 13 مارس 2025

  القمة العربية الطارئة في القاهرة انتهت بإقرار خطة إعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها، ووفق خطة عربية ستكلف 57 مليار دولار كما يتداول عنها، ووفق مراحل، فالقضية ليست في إعادة الإعمار، ولا في التكلفة، لكن هل هناك ضمانات بألا تعود إسرائيل إلى الحرب وتدمير غزة والقتل والتهجير.
 لكن مادام الرئيس الأميركي ترامب داعمًا قويًّا لخطة التهجير وسياسة نتنياهو، كنت أتمنى أن يتضمن بيان القمة عبارات وكلمات تتضمن استخدام القوة في حال عدم الاستجابة لمبادرة السلام العربية، ما يعيد التوازن إلى الصراع العربي الإسرائيلي قبل تحقيق حلم الدولة اليهودية الكبرى من النيل إلى الفرات. فقد آن الأوان لأن نكون أصحاب موقف صارم ونتصدى للغطرسة الإسرائيلية الأميركية، وحالة التعاطف العالمي معنا، خصوصًا أننا كأمة عربية نمر بمرحلة مفصلية في تاريخنا الحديث، وفي ظل الخذلان الدولي غير المسبوق تجاه الإجرام الإسرائيلي المدعوم أميركيًّا.
العرب والمسلمون يملكون كل الأدوات والوسائل التي تُمكِّنهم من فرض عدالة قضيتهم ووجهات نظرهم فيما يتعلق بمصير المنطقة، والأنظمة العربية والإسلامية بحاجة لقول “لا” ضد الأخطاء وقول “نعم” مع كل رأي سديد، وحقيقة القول علينا ممارسة أقصى الضغوط من أجل استعادة الحقوق الفلسطينية وحماية الأمن القومي العربي من المُهددات غير المسبوقة. 
 علينا أن ننظر إلى موقف جنوب أفريقيا والبرازيل والمكسيك هذه الدول التي لم ترضخ للضغوط الأميركية ولا الصهيونية، وواصلت الدفاع عن القضية الفلسطينية أمام المحاكم الدولية، وكشفت السياسات الأميركية الحالية أن الرئيس ترامب يريد أن يلتهم كل شيء أمامه، ويدير بلاده والعالم بطريقة “الصفقات”، ولا أدل على ذلك من موقفه تجاه قضية أوكرانيا، وما شاهدناه في المشادة الكلامية بينه وبين زيلينسكي.
 لذا من الطبيعي أن نتلمس موقف دول مجلس التعاون الخليجي الرافض للتهجير، فالخطة المصرية التي صارت “عربية” في القمة، لابد من موافقة الطرفين الآخرين أميركا وإسرائيل، لكن تصريحات نتنياهو صبت الزيت على النار، وقوله “إن السعوديين قادرون على إنشاء دولة فلسطينية في السعودية، فهم يملكون الكثير من الأراضي هناك”، في خطوة غير مسؤولة أثارت غضبًا خليجيًّا وعربيًّا ودوليًّا، ومن هنا علينا التعامل مع الأحداث الجديدة برؤية استراتيجية خليجية عربية إسلامية قبل فوات الأوان.
ومن هذا المنطلق فإن التوافق والإجماع العربي والإسلامي يتطلب تحركا لرفض تهجير الشعب الفلسطيني من أراضيه، وضرورة تسريع جهود الإغاثة وإعادة إعمار قطاع غزة، والتحركات الخليجية الأخيرة هي شريان مهم للأمة العربية، وعلى أمتنا أن تكون أكثر اتحادًا ولحمة، أكثر من أي وقت مضى، وبهذه الروح يمكننا إغلاق كل الملفات التي تتحدث عنها الإدارة الأميركية.
الدبلوماسية الخليجية مستمرة وقادرة على وقف هذه الحروب والخزعبلات والتصريحات، وعليها أيضًا الإجابة على كل التساؤلات والهواجس المخيفة والمطروحة على الساحة العربية والدولية ووقف التعامل معها، أو وضع حد للعلاقات مع الآخرين أو التعامل بالمثل وفق مبدأ المصالح أولا، كما تفعل روسيا والصين وجنوب أفريقيا وكندا، فلن نموت جوعًا بدونهم، فالسيناريوهات والتحالفات البديلة أصبحت ضرورة حتمية لدراستها واستغلالها كسلاح، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه ليست مشكلة كل العرب فقط بل أوروبا وأفريقيا، وأن التعامل مع القضية الفلسطينية والأحداث في سوريا والمنطقة والرئيس ترامب يحتاج لوضوح في الرؤية والشفافية في التعامل وبحكمة دبلوماسية واحدة.. والله من وراء القصد.

كاتب ومحلل سياسي عماني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .