العدد 5983
الأحد 02 مارس 2025
الوضع الدولي.. مجموعة متغيرات
الأحد 02 مارس 2025

في عالم يتسارع تغيره بوتيرة غير مسبوقة، لم تعد السياسة الدولية تعرف الثبات أو الاستقرار، بل تحولت إلى ساحة ديناميكية تتحكم فيها مجموعة متغيرات، وتحالفات مؤقتة، وأزمات متجددة. لم يعد توازن القوى التقليدي الذي ساد في القرون الماضية، بل أصبح مشهدا معقدا تُشكله التطورات التكنولوجية المتسارعة، والتقلبات الاقتصادية الحادة، والصراعات الجيوسياسية المتزايدة. 
تصاعد التنافس بين القوى الكبرى، مع تغيرات استراتيجيات النفوذ وفقا للمصالح المستجدة، ولم تعد التكنولوجيا مجرد أداة مساعدة، بل أصبحت محركا رئيسا لهذا التحول، فالصراع لم يعد مقتصرا على الميدان العسكري التقليدي، بل امتد إلى مجالات الذكاء الاصطناعي، والفضاء، والاقتصاد الرقمي، ما أضاف طبقات جديدة من التعقيد إلى المشهد السياسي العالمي.
وفي الوقت نفسه، تلعب الأزمات الاقتصادية دورا محوريا في إعادة تشكيل العلاقات الدولية، فالأزمات المالية، وتفاوت معدلات النمو، وارتفاع معدلات التضخم، تؤدي إلى تحولات جذرية في مواقف الدول وسياساتها، وهذا الواقع يجعل التعاون الدولي أكثر صعوبة وأقل قابلية للتنبؤ، حيث تتراجع الثقة بين الدول وتتصاعد النزعات الانعزالية.
من جهة أخرى، لم تعد الأيديولوجيات السياسية ثابتة كما كانت في الماضي، ما دفع بعض الدول إلى تبني سياسات أكثر انعزالية وفقا لمتغيرات الداخل والخارج.
ولا يمكن إغفال دور التغيرات المناخية، التي كانت تُعد في السابق قضية بيئية بحتة، لكنها أصبحت اليوم عاملا مؤثرا في السياسة الدولية؛ فالصراعات على الموارد الطبيعية تتصاعد، والتعاون أو التنافس في مجالات الطاقة المستدامة يبرز ضمن المحاور الرئيسة في العلاقات بين الدول.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، لم تعد الدول قادرة على الاعتماد على استراتيجيات ثابتة أو سياسات طويلة الأمد، بل بات لزاما عليها تبني نهج أكثر مرونة، يستند إلى التكيف السريع مع المتغيرات، وتنويع الشراكات والتحالفات، والاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا. كما يتطلب هذا الواقع تعزيز الدبلوماسية الذكية، التي تجمع بين القوة الناعمة والقدرة على فرض النفوذ عند الضرورة.
إن العالم اليوم يشهد مرحلة جديدة من السياسة الدولية، حيث أصبح “اللا ثبات” هو القاعدة، ولم يعد بإمكان أي دولة الركون إلى يقين في هذا العصر الجديد، فإن الدول الأكثر قدرة على التكيف والتحديث المستمر هي التي ستتمكن من الحفاظ على مصالحها وتعزيز مكانتها في وضع عالمي لا يعرف السكون.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .