اقتصاد النوايا، هل هو اقتصاد جديد أم تغيير في أسلوب لإنتاج جديد؟ فما هو هذا الاقتصاد وأهدافه وما هو تأثيره على المستخدم؟ وما دوره في تغيير معالم المجتمع وسلوك الأفراد الاستهلاكية والحياتية وبأخلاقيات التقنية الحديثة؟ وغيرها من التساؤلات التي تصلنا لفهم هذا المصطلح الاقتصادي العلمي الاجتماعي. وفي ذلك يقول باحثون من جامعة كامبريدج البريطانية “العالم يقترب من عصر جديد يعرف باقتصاد النوايا، إذ يمكن لتقلبات الذكاء الاصطناعي التنبؤ بنيات الأفراد وبيعها للشركات قبل أن يدرك الأفراد قراراتهم بأنفسهم”.
يقوم هذا الاقتصاد على استخدم الذكاء الاصطناعي لفهم نوايا البشر والتنبؤ بها، وبيع هذه المعلومات لشركات يمكنها الاستفادة منها. الباحثون في مركز “ليفيرهولم لمستقبل الذكاء الاصطناعي” في جامعة كامبريدج، وصفوا هذا النظام باعتباره خليفة لاقتصاد الاهتمام، الذي يعتمد على إبقاء المستخدمين مرتبطين بالشبكات الاجتماعية وتعرضهم للإعلانات. وهذا الاقتصاد فيه كما في غيره من سلع وبيع وشراء، تسويق النوايا (نوايا الأفراد)، بحصول هذه الشركات على أفكار وابتكارات مجانية وطرحها في الأسواق والتجارة بها والكسب من ورائها.
وتعتبر اجتماعيا تدخلا في خصوصية الإنسان، فأفكار الإنسان تعتبر من ضمن خصوصياته، ولا يحق لأي من كان أن يتصرف بها إلا بإذن منه شخصيا، أي هي من حقوق الملكية الفردية، وأخذها دون موافقته ومن غير علمه خروج على مبدأ الشفافية وتعدٍ على خصوصيته وتجاوز لاستقلالية هذا الشخص أو غيره من الأفراد. وتستطيع الشركات أن تفعل ذلك من خلال قدرات أدوات الذكاء الاصطناعي على التنبؤ بالقرارات البشرية في مراحل مبكرة والتأثير عليها بشكل فعال، ومن ثم بيع هذه النوايا للشركات التي يمكنها تلبية تلك الاحتياجات البشرية. ووفق رأي الباحثين فإن هذا قد يحدث نقلة نوعية في الطريقة التي تدار بها الحياة الرقمية والاقتصاد العالمي.
ويشير رأي الباحثين إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي التّوليدي تتيح إمكانيات هائلة لتتبع الأنماط النفسية والسلوكية للأفراد. ومن خلال تحليل الحوارات والبيانات المستخلصة، يمكن لهذه التقنيات التنبؤ باحتياجات المستخدمين والتأثير على خياراتهم لصالح جهات تجارية أو سياسية. وإن التطورات الحالية تشير إلى تحول تدريجي من بيع الانتباه إلى بيع النوايا التي تعتمد على تحليل سلوكيات الأفراد، كطريقة الحديث والتفضيلات الشخصية والتوجهات السياسية، واستغلالها لتوجيه المحادثات والمقترحات بشكل يخدم أهدافا محددة سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أي تحويلها سلعا للبيع والشراء.
وقد بدأت كبرى شركات التكنولوجيا بتبني هذه الاتجاهات، فعلى سبيل المثال أعلنت شركة أوين إيه أي عن حاجتها لبيانات تعكس النوايا البشرية، في حين أطلقت شركة أبل أطر عمل جديدة تتيح لتطبيقاتها توقع تصرفات المستخدمين المستقبلية عبر مساعدها الشخصي “سيري”. كما أعلنت شركة إنفيديا عن استخدام نماذج اللغة لفهم النوايا البشرية، وهي بيانات “Intentonomy”، وسار على هذا النحو عدد آخر من الشركات.
ويجول في بالنا أسئلة عن هذه الممارسة العلمية التكنولوجية وهي: لصالح من تسير هذه التقنية وأهدافها؟ فهل هي لصالح المستخدمين أم الشركات المستخدمة لهذه النوايا؟ وهل سيكون استغلال هذه النوايا لصالح البشرية أم لكسب الأموال والتوسع في أعمال الشركات؟ وما تأثير استغلال الشركات لهذه التفاعلات البشرية اليومية على الإنسان والمجتمع؟ أم هي إحدى أدوات الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها الشركات للتلاعب بالجماهير عبر الإنترنت؟ فمن المؤكد أن لهذا الاقتصاد تأثير على تطلعات البشر كالحرية الشخصية والصحافة والمنافسة والعدالة والخصوصية، وغير ذلك. وليحذر البشر من أن ليس كل ما يأتي به الذكاء الاصطناعي هو خير وإيجابي للبشر.