ما الذي جرى في الولايات المتحدة الأميركية نهار الخامس من نوفمبر الجاري؟ الجواب على علامة الاستفهام المتقدمة ربما يحتاج إلى وقت طويل، لإلقاء أضواء كافية على ما جرى هناك في ذلك النهار المثير، والذي توقع الكثيرون أن يكون يومًا مفصليًّا بشكل أو بآخر في تاريخ أميركا، وغالب الظن هذا ما حدث. في نقاط معدودات يمكن القول إن كل استطلاعات الرأي التي جرت قبل يوم الاقتراع، جانبها الصواب، الأمر الذي يؤكد ما أشرنا إليه مرارًا وتكرارًا من أن الأمر مؤدلج، وكل بما لديهم فرحون، فالمراكز ذات الصبغة الديمقراطية غالت كثيرًا جدًّا في تقييم فرص هاريس.
أحرز المرشح الجمهوري دونالد جون ترامب، نتيجة غير متوقعة، حتى بالنسبة له هو شخصيًّا، فقد ساورته الشكوك العميقة في تجاوز كل المؤامرات التي تعرض لها، طوال أربع سنوات، والقفز فوق الفخاخ التي نصبها له الديمقراطيون، عبر اتهامات ومحاكمات، أثبت خلالها قوة عزيمة لا تهن ولا تلين، ما أعطى نموذجًا جيدًا لقيادة أميركا في أزمنة عدم اليقين. أن يفوز ترامب أو تفوز هاريس، لم يكن من المتوقع حدوث ذلك بأكثر من نصف في المئة، فيما اليوم بات لترامب في المجمع الانتخابي قرابة 312 صوتًا مقابل 226 صوتًا لهاريس، وهي نتيجة ساحقة ماحقة لا تصد ولا ترد، وربما لم تشهد أميركا نتائج مماثلة منذ عقود طوال.
من الواضح بداية أن الثقة في ترامب ورغم كل محاولات التشكيك في نزاهته وقدرته على الحكم، تعززت بعد أربع سنوات من إدارة مهتزة ومهترئة لجو بايدن وكامالا هاريس. أضف إلى ذلك، أن التطرف اليساري الديمقراطي، تسبب دون أدنى شك في هجرة الملايين من أصحاب الرايات الزرقاء الديمقراطية إلى المرابع الجمهورية الحمراء، جراء الإغراق في العلمنة الظلامية على حد تعبير الفيلسوف اليساري الفرنسي الشهير ريجيس دوبرييه.
رفض الملايين من الديمقراطيين بداية التصويت لسيدة “خلاسية”، فهي من أب جاميكي وأم هندية، وهم الذين من قبل لم يقبلوا بهيلاري كلينتون الواسب البيضاء، الأمر الذي يطرح علامة استفهام عن قبول الأميركيين لسيدة في البيت الأبيض، وهل الأمر غير قريب المنال على الرغم من وجود سيدات بارعات في الحكم، من نوعية مارجريت تاتشر في بريطانيا ثمانينيات القرن الماضي، وأنجيلا ميركل في ألمانيا، والآن جورجيا ميلوني في إيطاليا، فيما كادت مارين لوبان تقترب من قصر الإليزيه وحكم فرنسا.
ولعله من النقاط التي برع فيها الجمهوريون، قدرتهم على الحشد الهائل، فقد تأكد كبار الاستراتيجيين في الحزب من أنه من غير جماهير غفيرة تجعل الفوز نهائيًّا وغير قابل للتشكيك، فلا فرصة لرجلهم في العودة إلى البيت الأبيض من جديد.
ومن جانب آخر، فإن الملايين التي خرجت للتصويت لترامب، قطعت الطريق بدورها على أية محاولات للتزوير أو التزييف من قبل الديمقراطيين أو الدولة الأميركية العميقة كما قال الكثير من المراقبين.
جرت الانتخابات في أجزاء واسعة منها برسم “التصويت العقابي”، فعلى سبيل المثال صوت عدة ملايين من العرب والمسلمين لصالح ترامب، والذي وعد بإحلال السلام في الشرق الأوسط، لاسيما بعد أن أخفقت إدارة بايدن طوال عام كامل في وقف المذابح الإسرائيلية في قطاع غزة، وتاليًا في لبنان.
هل من جزئية بعينها تمثل نصرًا حقيقيًّا في الداخل الأميركي؟
الشاهد أن العالم برمته انتظر حدوث فراغ أمني وحالة من الصدام والاحتراب، غير أن واقع الحال أثبت رجاحة المواطن الأميركي ومدى وعيه وحرصه على مستقبل بلاده.
نحو شهرين أو أكثر قليلًا لحين تنصيب ترامب رسميًّا، وهي فترة مهمة لحدوث تطورات كثيرة، لاسيما بالنسبة لتشكيل الإدارة القادمة، وما تحمله لعالمنا المعاصر. دعونا ننتظر ونرى.
كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية