هل يفتح المهاجرون آفاقاً جديدة للنمو الاقتصادي في أوروبا؟
تواجه أوروبا تحديات اقتصادية متزايدة، أبرزها الشيخوخة السكانية وتباطؤ في النمو الاقتصادي ما يثير تساؤلات حول كيفية تحقيق الاستدامة الاقتصادية في المستقبل. وفي هذا السياق، تبرز الدعوات للسماح بتدفق الهجرة الاقتصادية كوسيلة لتجاوز هذه التحديات.
ويرى مسؤولون بارزون، من بينهم فابيو بانيتا، عضو مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي ومحافظ بنك إيطاليا، أن فتح الأبواب أمام العمالة الأجنبية المنظمة يمثل استجابة عقلانية من الناحية الاقتصادية، حيث يمكن أن تسهم في تعزيز الإنتاجية ومعالجة اختلالات سوق العمل. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للهجرة أن تكون الحل الواقعي لإنعاش الاقتصاد الأوروبي المتعثر وتحقيق نمو اقتصادي مستدام؟
وقال فابيو بانيتا: "إن الدول الأوروبية، بما في ذلك إيطاليا، تحتاج إلى السماح بالهجرة الاقتصادية إذا كانت تريد التغلب على تحدي الشيخوخة السكانية وتحسين النمو بشكل مستدام، بحسب تقرير نشرته "بلومبرغ" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية".
وأضاف بانيتا: "يجب إدارة دخول المهاجرين النظاميين بطريقة منسقة داخل الاتحاد الأوروبي، مع تحقيق التوازن بين الاحتياجات الإنتاجية والتوازن الاجتماعي وتعزيز اندماج المواطنين الأجانب في نظام التعليم وسوق العمل".
تصريحات بانيتا جاءت خلال خطاب ألقاه في ريميني، إيطاليا، بعد خلافات علنية داخل التحالف الحاكم برئاسة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني حول من يحق له الحصول على الجنسية الإيطالية.
وأوضح بانيتا أن إيطاليا هي من أضعف الروابط اقتصادياً في أوروبا، حيث يوجد بها "الكثير من نقاط الضعف الهيكلية للاتحاد الأوروبي". وهذا يجعل من الضروري اتخاذ إجراءات في مجالات مثل المنافسة والإنتاجية وزيادة مستويات العمالة للشباب والنساء و"السياسات المهاجرة المناسبة".
شبح الانهيار الديمغرافي
تواجه دولاً أوروبية وفي مقدمتها إيطاليا شبح الانهيار الديمغرافي، وفقاً لدراسة نشرتها صحيفة لوفيغارو الفرنسية في يناير 2024، حيث تؤكد الدراسة "أن معدل الخصوبة في أوروبا انخفض لدرجة لم يعد معها تجديد الأجيال مضموناً، ففي إيطاليا مثلاً وصل معدل الخصوبة إلى 1.2 طفل لكل امرأة، وهو معدل منخفض جداً ترجعه الدراسة إلى عزوف عن الإنجاب أو تأخيره، كما أن إيطاليا التي سجلت مليون ولادة في عام 1964 لم تسجل في عام 2022 سوى 393 ألف ولادة، مقابل نحو 700 ألف وفاة في السنة نفسها".
وبحسب تقرير صادر عن مكتب الإحصاءات الأوروبي "يوروستات" في عام 2023، فقد تباطأ معدل نمو سكان الاتحاد الأوروبي تدريجياً في العقود الأخيرة. كما لوحظ خلال العشرية الأخيرة أن عدد الوفيات صار يزيد على أعداد المواليد، وبات كبار السن يشكلون أغلبية السكان، وهو ما يعتبره الدارسون الاجتماعيون تهديداً جدياً بالفناء.
أما على صعيد النمو الاقتصادي، فقد أشار أحدث تقرير لصندوق النقد الدولي حول مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي، إلى أن النشاط في منطقة اليورو، يبدو أنه وصل إلى أدنى مستوياته، متوقعاً حدوث انتعاش متواضع بنسبة 0.9 بالمئة لعام 2024 أي بزيادة 0.1 نقطة مئوية مقارنة بتوقعات أبريل الماضي، فيما أبقى على نفس توقعاته الصادرة في أبريل بالنسبة لاقتصاد منطقة اليورو خلال 2025، مرجحاً أن يبلغ النمو 1.5بالمئة.
الاتجاهات الجديدة للهجرة
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الخبير الاقتصادي، أستاذ الاقتصاد في جامعة الزقازيق الدكتور عبد الله الشناوي: "تزايدت أهمية الهجرة كظاهرة عالمية، ليس فقط من الناحية الديموغرافية، ولكن كقضية اجتماعية وسياسية تتم مناقشتها في أوروبا خاصة، ومن المهم دراسة الاتجاهات الجديدة للهجرة وتداعياتها على اقتصاد الدولة المضيفة، وخاصة على النمو الاقتصادي والبطالة. وبما أن آثار الشيخوخة السكانية يمكن الشعور بها في العديد من البلدان، وخاصة المتقدمة، فإن الهجرة ستستمر في لعب دور متزايد في النمو الاقتصادي لجميع البلدان".
ونظراً للتغيرات في اتجاهات الهجرة وسياساتها، فيجب مراجعة تأثير ذلك لأن من الخصائص الرئيسية التي تؤثر بشكل كبير على النمو الاقتصادي هو مستوى التعليم والمهارة لدى المهاجرين. وفي ضوء هذه الحقيقة، فإن تأثير الهجرة على النمو الاقتصادي يتم من خلال قناة تكوين المهارات المرسلة أو المستقبلة، بحسب تعبيره.
وأوضح أن لدى كل دولة أوروبية نهج مختلف تجاه الهجرة، فبعد أن بلغ صافي الهجرة السنوي 745 ألف مهاجر في عام 2022، أعلنت الحكومة البريطانية عن خطط لخفض عدد المهاجرين؟، وشهدت فرنسا نقاشا حول مشروع القانون الذي شدد القواعد الخاصة بالمهاجرين. وتسعى ألمانيا أيضاً إلى مراجعة سياستها المتعلقة بالهجرة بعد أن تلقت أكبر عدد من طلبات اللجوء في عام 2023، رغم استفادتها من المهاجرين في قطاع العمل.
وشهدت إيطاليا زيادة كبيرة في أعداد المهاجرين الذين يصلون بحراً، وهي تخطط الآن لبناء مركزين في ألبانيا لاستضافة ما يصل إلى 36 ألف مهاجر سنوياً. وسوف تحتاج إسبانيا أيضاً إلى إعادة النظر في ملامح سياستها الخاصة بالهجرة بعد استقبالها لرقم قياسي بلغ 13 ألف مهاجر بسبب الاضطرابات السياسية في أفريقيا، طبقاً لما قاله الدكتور الشناوي.
تأثيرات الهجرة الضارة
وحول تأثير الهجرة على الدول الأوروبية قال أستاذ الاقتصاد في جامعة الزقازيق: يترتب على الهجرة بعض التأثيرات منها:
- للهجرة تأثير ضار على معدل تشغيل السكان الأصليين في السنوات الأولى التي أعقبت صدمة العرض.
- تختلف تأثيرات الهجرة على سوق العمل حسب المجموعة التعليمية. إن تأثير الهجرة على معدل توظيف المواطنين الأصليين المتعلمين تعليماً عالياً هو صفر في الأمد القريب وإيجابي في الأمد البعيد، في حين أن التأثيرات سلبية بين المواطنين الأصليين ذوي التعليم المنخفض في الأمد القريب وأضعف كثيراً في الأمد البعيد، وأدت الهجرة إلى أوروبا في العقد الماضي إلى زيادة فجوة فرص العمل بين المواطنين الأصليين ذوي التعليم العالي والمنخفض.
- يكون تأثير الهجرة على العمالة أضعف في المناطق التي تتمتع بمؤسسات سوق عمل أكثر صرامة.
فوائد الهجرة
أما عن فوائد الهجرة قال الخبير الاقتصادي الدكتور الشناوي: "إن الهجرة الآمنة والقانونية مفيدة للجميع إذ تساعد في تلبية احتياجات سوق العمل ودفع عجلة النمو الاقتصادي في بلدان المقصد. فمثلاً إسبانيا لن تكون قادرة على دعم نظامها الاجتماعي والاقتصادي لولا عشرات الآلاف من المهاجرين القادمين من أميركا اللاتينية كل عام، حيث يرى تقرير البنك الدولي عن التنمية في العالم لعام 2023 أن الهجرة ضرورية حالياً للتقدم الاقتصادي للبلدان على جميع مستويات الدخل بسبب التغيرات الديموغرافية مثل الشيخوخة في بعض المناطق والنمو السكاني في مناطق أخرى".
كيف تستفيد أوروبا من الهجرة؟
ورداً على سؤال حول كيفية استفادة أوروبا من الهجرة وتحقيق زيادة معدلات النمو الاقتصادي أجاب الدكتور الشناوي: تستطيع أوروبا الاستفادة من الهجرة إليها وتحقيق زيادة معدلات النمو الاقتصادي عن طريق:
- زيادة التنقل عبر الحدود والتي تساهم في زيادة النمو العالمي على المدى الطويل، ويمكن للمهاجرين التأثير على نمو الإنتاجية، سواء في البلدان المستقبلة أو المرسلة من خلال عدة قنوات، مثل انتقال المهارات والتنوع، والتحويلات المالية، والبنية العمرية، والمهارات الريادية.
- الاستفادة من تأثير المعدلات الأعلى للمهاجرين ذوي المهارات الإدارية بشكل إيجابي على الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البلدان المستقبلة.
- تعزيز مخزون رأس المال البشري الذي يتحقق عن طريق هجرة أصحاب المهارات الى أوروبا، حيث تؤثر الهجرة من خلال المهارات على النمو الاقتصادي نظراً للعلاقة الوثيقة بين مستوى المهارة من ناحية والنمو الاقتصادي ومتغيرات سوق العمل من ناحية أخرى.
- تحقيق اندماج المهاجرين وتكيفهم مع ثقافة البلد المضيف، حيث يجب على كل من المهاجرين والبلد المضيف قبول التنوع الثقافي، وتحقيق التفاعلات الاجتماعية والثقافية التي تمثل عوامل حاسمة في التكامل الاجتماعي والاقتصادي للمهاجرين، والتي تؤثر بشكل كبير على سوق العمل.
- تعمل الهجرة على تقليل البطالة في حالة العمال ذوي المهارات المنخفضة الذين يمكن استبدالهم بسهولة من خلال إمكانية نقل رأس المال البشري المكتسب في بلد المنشأ مما يعزز إمكانية تحقيق النمو الاقتصادي في أوروبا، حيث يختلف تأثير الهجرة في حالة العمال ذوي المهارات المنخفضة أو العالية، وبالتالي يعتمد على هيكل الإنتاج في البلد المضيف. كما أنها تدعم صناعات التصنيع والخدمات منخفضة التكلفة من خلال تقليل حوافز الشركات للاستثمار في التدريب تنعكس التأثيرات في حالة العمال ذوي المهارات العالية مع متطلبات الدخل.
أوروبا تحتاج لأرقام ضخمة من المهاجرين
من جهته، قال الخبير الاقتصادي، عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية هاشم عقل في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": “ظاهرة الهجرة شائعة منذ القدم لأسبابٍ مختلفة كالرغبة في التعلم أو الحصول على الرزق أو الهرب من أعمال العنف والحروب، وتتنوع آثار هذه الهجرة بين المجتمع المضيف والمجتمع المرسل في السلبيات والإيجابيات.".
وتعاني أوروبا من مشكلة شيخوخة المجتمعات وتراجع أعداد العاملين المهرة في القطاعات الصناعية وغيرها ولتعويض هذا النقص والاستمرار النمو الاقتصادي سمحت هذه الدول بالهجرات الشرعية وغير الشرعية لحاجتها الماسة لهذه العمالة كعمال أولا ومستهلكين وحتى أن بعض الدول مثل ألمانيا أجرت تعديلات هامة لتخفيف القيود على الهجرة دفعاً للنمو الاقتصادي وذلك لحاجتها الماسة لهذه العمالة وقدمت تسهيلات بموجب قانون عصري لاستقطاب العمالة الماهرة من الخارج، بحسب عقل.
وأكد حاجة الدول الأوروبية بشكل كبير لهذه الهجرات نتيجة تحقيق فوائد متعددة لاقتصاداتها وهناك رغبة من مسؤولين أوروبيين عن الحاجة لأرقام ضخمة من المهاجرين تحتاجها القارة العجوز بشكل عام، مشيراً إلى تحقيق زيادة ملحوظة في التعاون بين الحكومات في مجال الهجرة منذ إجراء حوار عام 2006 الرفيع المستوى بشأن الهجرة الدولية والتنمية، إذ تزايد تركيز مختلف الجماعات والعمليات الاستشارية الحكومية الدولية على الأبعاد الإنمائية للهجرة الدولية نظرا للحاجة الأوروبية للمهاجرين لتعويض نقص العمالة المحلية.
وأضاف عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية: "يلعب المهاجرون دوراً حيوياً في الاقتصاد الأوروبي، فهم يجلبون النمو والابتكار لبلدان التي ينتقلون إليها، وخصوصاً أن معظم الدول الأوروبية تواجه قنبلة ديموغرافية موقوتة تتمثل في زيادة عدد السكان المسنين وانخفاض معدلات المواليد، وبالتالي يتعين على هذه الدول الاعتماد على المهاجرين لدفع النمو الاقتصادي والحفاظ عليه".