العدد 5787
الأحد 18 أغسطس 2024
banner
خربشة ومغزى.. "نهضة وتنمية ،، معنى وأثر"
الأحد 18 أغسطس 2024

نهضة وتنمية لهما معنى وأثر، وفيهما حراك وتباري دول، وتدخلان في مسميات منظمات وهيئات وأحزاب وبرامج أُممية، ويتغنون بهما ساسة ونُخب.

أما أثرهما يكون أحيانا حقيق مستدام، وغيره مجرد كلام يمشي بلا أقدام. نهضة وتنمية مصطلحان لهما دلالتان في اللغة؛ نهضة وجمعها نهضات تعني طاقة وحركة ووثبة تشير إلى إنبعاث وأرتفاع وتجدد، وتقدم بعد تأخر، وتنمية هي زيادة شئ على شئ اي رفعته عليه. وكُلُّ شئ رفعته فقد نميته، ومنه قول النابغة: "فعد عما ترى، إذ لا ارتجاع له، وانم القتود على عيرانة أجد".


ولهذا العرب تقول نمى الخضاب في اليد والشعر إنما هو أرتفع وعلا وزاد فهو ينمي، والخضاب إذا نمى زادت حمرته وسواده. حتى قال قائلهم؛
يا حبُّ ليلى، لا تغير وأزدد وانم.. كما ينمو الخضلب في اليد

وكذلك قول نميت الحديث إلى غيري نميا معناه إذا أسندته ورفعته. بل وصِف كلّ أرتفاع هو انتماء كقولهم انتمى فلان فوق الوسادة. ومعنى آخر يرد إذا نميت النار تنمية اي إذا ألقيت عليها حطبا وذكيتها وأشبعت وقودها.

النهضة في مفهموها عند كثير من الباحثين هي مقاربة عما برزَ وتبلوَرَ في النهضة الأوروبيّة. وكأن هنالك ميلا لاستنساخ جوهرها كحالة خروج من نسق فكري مقيد للعقل، التي مثلتها الروح الكنسية بمستواها الثقافي والاجتماعي والعلمي المتحكم في الحياة الأوروبية في العصور الوسيطة، إلى فسحة العقل ليقوم بوظيفته في الإبداع وإعمار الحياة وتأسيس قاعدة معرفية مُغايره. هذا النسق النهضوي هو مُحاكاة للنهوض الأوربي يلوح في المخيال إجتثاث للتراث لا رغبه في غربلتة واستبقاء النافع منه وطرح الضار.
 
النهضة والتنمية في معناهما الواسع تجديد يُبنى على تحليل وتقييم ونشدان الأفضل دونما بتر لما سبق وتقزيمه، وفيها إختيار تراكمي يبث روح واستشراف وديمومة حراك فكري تنموي. مفهوم مثل هذا يُغاير ما كانت عليه مضامين مارستها النهضة الأوربية وتهميشها للكنيسة وما صاحبها من غلو وهيمنة. وهذا يقود إن للأمم مسارات تتنوع جذورها وقابليتها في النهضة، وحتى فسح مساحة العقل وماهية التنمية والتطوير والتعمير كلٌّ حسب ملابساته وتمرحله الزمني.

الحالة الراهنة لجموع العرب والمسلمين هي بأمس الحاجه إلى النهضة والتنمية والانفكاك من عجلة الدوران في فلك الاستهلاك والاعتماد على الغير، وهذا ميدان تفكير له تفاصيل تستلزم إدراك واصطفاف جدي في معالجة واقع الحال والمآل في كافة المناحي. هنالك أُنموذج تحقق للعرب والمسلمين ماضوي وموروث له أثر معرفي وقوى صلبة وناعمه، وتمدد جغرافي ونفوذ إنساني تموضع بين الأمم، بعضة صدى صوته وأثره إلى اليوم، وأخر طُوي مع هنات وتراجع وإنهزام. وهذا لا ينفك فيه ناموس الدوران الحضاري يطال عموم البشرية.

مساعي النهوض والتنمية للحاضر هي انتفاع من دروس الماضي وموروثه وإستلهام ما عند الإخرون من تجارب قديمة وحديثه، وصنع نموذج مستقل الباطن والظاهر لخصوص ثقافة وامكانيات ومساحة اختيارات دونما تقليد لأحد او استنساخ هجين من الغير. وعالمنا اليوم مليء بالتجارب النهضوية والتنموية لدول مشرقية رسمت مشهدها في تنافسية كاليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة، وغيرها في المعمورة احتذت بامكاناتها ومواردها البشرية في إمريكا اللاتينيه وإفريقيا وحتى دول الشمال والشرق الأوربي.

والعالم العربي والإسلامي يعايش ميادين ما حوله له تماس معها، وهنالك بوادر نهوض بعضها أخذ مسار وآخر في مقتبل العزم والقرار، ودول خليجنا العربي ضمن هذا التفاعل والاداء، ولعلها قفزت في مؤشرات وواقع مُلفت ومُلهم.

النهضة والتنمية منهج له مضامين، وهنالك بُقع خافتة أو غير مرئية فيهما تُشكل تحدي للرواد والدول، وبالطبع المستهدف الأسمى هو بناء الإنسان الذي هو صانع التغيير. ولطالما أبرز بعض اصحاب الرأي والبحث ذُكر النهضة مثل مؤرخ الحضارة الامريكي ويل ديورانت الذي حدد أربعة عوامل للنهوض منها إثنان تخص الطبيعة؛ العامل الجيولوجي والعامل الجغرافي، واثنان له صلة بالإنسان؛ العامل الاقتصادي، والعامل النفسي المتمثل في الأمن والأخلاق ووحدة اللغة.

ومثال آخر ما ذكره ارنولد توينبي البريطاني أن النهضة هي نتاج عامل التحدي والاستجابة، لأن الانسان إذا تعرض لتحدٍ من الطبيعة أو من إنسان آخر، فاستجابته الطبيعية لهذا التحدي ستؤدي للنمو والتغيير نحو الأفضل. وعند مالك بن نبي الجزائري رؤية أن هنالك أربعة عناصر للنهضة؛ الأفكار، والإنسان، والتراب، والزمن، والافكار عنده هي باعثة للعناصر الثلاثة، وجعل جوهر الافكار ما كان منبعثا من عقيدة دينية حيث يقول؛ الحضارة لا تنبعث كما هو ملاحظ إلا بالعقيدة الدينية، وينبغي أن نبحث في حضارة من الحضارات عن أصلها الديني الذي بعثها.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .