العدد 5463
الجمعة 29 سبتمبر 2023
الإعلام و"الترند" وما بينهما
الجمعة 29 سبتمبر 2023

قد يكون منتدى الإعلام العربي في دبي، وقد تكون مشاهدات البعض، وظواهر المرحلة، لكنها الحقيقة المرة التي خلطت الحابل بالنابل، والإعلام وقيمته، بعدد المشاهدات ومردودها، القيمة والقيم، بالصوت العالي والكلام على الناس. هل الإعلام سيدة حسناء على الشاشة أو بهلوان مضحك محتل لبرنامج، أم محتوى مؤثر في قيم وتقاليد المجتمع؟!
الخلطة السحرية التي يتندر بها الناس، القيل والقال التي ابتدعتها قبائل وعائلات البث المباشر، هي التي كانت لها اليد الطولى في جوائز المهرجانات، هي التي أصبحت على كل لسان، صارت "على عينك يا تاجر" في أسواق الشللية الإعلامية، والجماعات المتحالفة مع "جوجل" ومخترعيه، مع منصاته ومنتسبيه، مع حسناواته وبهلواناته ومريديه. الإعلام العربي لا تحكمه أخلاقيات بقدر ما أصبحت تقيده اعتبارات، الإعلام القانوني الذي يحاسب على أقل الأخطاء، أم الإعلام المارق الذي يتجاوز الأعراف ويهدم الأخلاق.
معادلة صعبة، وأسئلة تقود إلى التهلكة في زمن يكافئ على "الترند" ويعاقب على المهنية والأمانة الصحافية ونقل الإنسان إلى مواقع الأحداث. كنا نكافئ القناة الفضائية أو الصحيفة الورقية أو الكاتب الموهوب على تغطية حدث، على أفضل خبر، وأروع عمود للرأي، وكنا نمنح الفرص لكل من يجتاز الاختبارات الصعبة عندما يتقدم بطلب للتوظيف في مهنة صحافي أو إعلامي، وكانت الرواتب محددة على أساس الموهبة وليس على طول اللسان، على قاعدة البقاء للأكثر موهبة والأفضل أداء، وليس للأعلى صوتا، أو للأكثر نفاقا، وكانت الجوائز والتقديرات تذهب لأصحاب الأقلام المؤثرة وليس للوجوه العابرة. وها نحن اليوم نرى منصات المنتديات وسجادها الأحمر "ممتطيا" من دخلاء، ومشغولا بـ "أراجوزات"، ومروجا لمن هدموا معابد الزمن الجميل وتركوا أنقاضه لطيور الظلام وليس لقادة التنوير وأصحاب الفكر المستنير.
ما بين الإعلام و"الترند" منطقة رمادية شديدة الخطورة على مستقبل الإعلام في بلادنا، منطقة يختلط فيها الغث بالسمين، وتضيع في طياتها أجيال وأمم بازغة وعقول واعدة، لكن نحمد الله ونشكر فضله بأن الصورة ليست شديدة القتامة، والمشهد يمكن توظيفه لصالح ما تبقى من قيم مجتمعية، وقوالب مهنية، ومواهب إعلامية، بل إن تلك المؤسسات التي هبت وانتفضت لتعمل في إدارة المحتوى الصحافي وتحسين الواقع الإلكتروني وتهذيب الترندات من شأنها أن تحقق المردود بشرف وأمانة، وليس بتردد واستهانة.

كاتب بحريني

التعليقات

2023 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .