العدد 5460
الثلاثاء 26 سبتمبر 2023
"لوجه الله".. بث مباشر
الثلاثاء 26 سبتمبر 2023

مجرد اقتراح من صديق يحثني فيه على مشوار جديد أطلق من خلاله صفحاتي المحرومة من الانطلاق، سطوري التي لم تر شاشات الحياة الرقمية، أبياتي التي حرمتها الطبيعة من نعمة التكنولوجيا الفارقة، حاول الصديق إقناعي بأن البث المباشر يفك قيدي، والكلام للناس باستخدام الهواتف الذكية وعبر الـ "الفيس بوك" سيعطيني حريتي ويطلق يديا، وأن الكلام من القلب إلى القلب يصل أسرع إلى الوجدان، ويحفر مجراه في شرايين الذاكرة، ويضمد جراح المكلومين والتعساء والذين فقدوا أعزاء لديهم.

واقترح الصديق أن الشعر هو الذي يجب أن نبدأ به التجربة، وأن العاطفة الجياشة يجب أن تتحرك من مجموعة قصائد كتبتها في ليلة بائسة، وأطلقت عليها "مطاردات ليلية"، وافقته رغم ترددي، وأعجبتني الفكرة قبل اتخاذ القرار الحاسم بشأنها، وعلى الفور بدأت تحضير نفسي، هواتفي وأوراقي، والغريب أنني لم أستعن بنظارتي لأسباب لا أعلمها، أخذت نفسا عميقا وبدأت أفكر في كيفية مواجهة الأصدقاء من خلال الشاشة الملونة الصغيرة، ماذا سأقول لهم عندما تحين ساعة الصفر؟ ما هي حجتي وأسبابي التي سأكشف عنها مبررا خطوتي الإلكترونية القادمة، استعنت بالله وقررت تحديد موعد الانطلاق، بالتحديد مساء السبت الماضي، بتحديد أكثر في تمام التاسعة، لكن لماذا التاسعة ولم تكن العاشرة؟ ولماذا لم تكن الثامنة؟ أسئلة ثرثارة طوقتني، سرعان ما وجدت الإجابة الشافية عليها لأخرج أمام تقنية "بث مباشر" محددا ظهوري الأول، ومؤكدا أن ضربة البداية ستكون في عهدة مطاردات ليلية". مجرد قصيدة ليس إلا، من أربعة مقاطع وعشرات الفواصل والإيماءات، مجرد أبيات ومهاترات، ومجرد مناوشات واحتكاكات، لكنها التاسعة مساء، ولكنني أنا، ولكنها لحظة المواجهة والأصدقاء يستفسرون عن سبب تأخري، هل أحوالي على ما يرام، لعل المانع خيرا! حتى خرجت عليهم مطمئنا بأنني سألتقيهم في تمام العاشرة وليس التاسعة لأسباب تتعلق بالتقنية والإعدادات الخاصة بالجهاز الذي أستخدمه. وعندما أزفت الآزفة وأصبحت قريبا من ساعة الإجابة، وجدت نفسي أمام جمهوري الحبيب أتحدث إليهم بكل حب، معتذرا عن سبب التأخير، ومبررا إياه، ومفسرا مغزاه، ومبتدئا بقصيدة هاربة من مطارداتي الليلية، وأخرى من زمن العشق الجميل، فإذا بي أختتم سهرتي الأولى وبثي المباشر التجريبي من دون صوت لأن أولاد الحلال لم يضبطوا التقنية على إحداثيات الفيس بوك، ولأنني لم أكن مستعدا بما فيه الكفاية، وغدا لناظره قريب.

كاتب بحريني

التعليقات

2023 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .