دول بالمنطقة ارتأت حاجتها لطرح حماية إضافية للمواطنين من التضخم
أدهم بن تركي: تعامل البحرين مع تداعيات الجائحة يضرب به المثل
ارتفاع أسعار النفط “سلاح ذو حدين”
دور أكبر لوزارات المالية من أجل مواجهة “الانكماش”
جميع دول الخليج لديها خطط طويلة الأمد في التنويع الاقتصادي
الوقت غير مناسب لتعويم عملات الخليج وسياسة الربط أثبتت نجاعتها
لإعادة توجيه الوفورات المالية من النفط وغربلة المحفظة الائتمانية
التحدي الأكبر خلق قطاعات اقتصادية غير معتمدة على الحكومات
حكومات الخليج الآن بمرحلة التخارج من الشركات التي أسستها
تجربة “التعاون الخليجي” في الكهرباء يمكن أن تمتد لقطاع الأغذية
اعتبر صاحب السمو السيد الدكتور أدهم بن تركي آل سعيد الأستاذ المساعد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس ومؤسس “ذا فيرم” للاستشارات، أن الارتفاع الذي يشهده سوق النفط العالمية في الوقت الراهن يمكن أن يكون “سلاحا ذا حدين”.
وقال آل سعيد في لقاء مع “البلاد الاقتصادي” على هامش زيارته للمملكة مؤخرا للمشاركة في حفل تدشين “قائمة البلاد لأقوى 50 شركة بحرينية لعام 2022” إن ارتفاع أسعار النفط قد يؤدي إلى آثار عكسية والتي تشمل ارتفاع أسعار الأغذية، حيث ارتأت دول أن تعيد طرح حماية إضافية لبرامج الدعم الاجتماعي ودعم السلع الذي تتباه منذ سنوات.
وأكد آل سعيد أن سياسة تثبيت الأسعار جعلت دول الخليج في وضع أفضل فيما يخص بالتضخم، مشيرًا إلى أنه لا مناص من إعادة توجيه الوفورات المالية من النفط خصوصًا بعد ارتفاع المديونية لبعض الدول، وذلك لغربلة المحفظة الائتمانية.
وقال آل سعيد إن التحدي الأكبر الذي تواجهه دول الخليج، هو خلق قطاعات اقتصادية مترابطة لا تعتمد على الدعم الحكومي، مشيرًا إلى أن حكومات الخليج بادرت في فترات سابقة بتأسيس الشركات وخلق قطاعات، وأنها حاليًّا في مرحلة التخارج من هذه الشركات بعد وضعها في مرحلة مغرية للاستثمار وقادرة على الاعتماد على نفسها.
وبشأن ربط عملات دول الخليج بالدولار، أشار آل سعيد إلى أن سياسة تثبيت سعر العملة أثبتت جدواها في الحفاظ على الاستقرار المالي ومواجهة التضخم، وأنه من غير المناسب تعويم العملات الخليجية في الوقت الراهن.
وبين أن دول الخليج تتمتع بموقف أفضل فيما يتعلق بنسب التضخم، ولكنها ستجد نفسها مضطرة لمواكبة خطوات الفيدرالي الأميركي، الأمر الذي سينعكس على انخفاض الائتمان ويذكي مخاوف الانكماش. وأضاف أنه مع غياب أدوات نقدية فإنه سيتعين على دول الخليج تفعيل سياساتها المالية من خلال وزارات المالية.
- فيما يلي النص الكامل للحوار:
ترتبط مملكة البحرين وسلطنة عمان حكومة وشعبًا بعلاقات أخوية عميقة، كيف تقيِّمون هذه العلاقة؟
طبعًا ولله الحمد، العلاقات العمانية البحرينية لها تاريخ طويل جدًّا، والاحتكاك بين الشعب العماني والشعب البحريني قوي جدًّا، وتاريخيًّا في الحضارات السابقة والعقود الماضية، هناك تقارب كبير حتى في مستوى صلة التقارب والتواصل الأهلي. ولا يخفى على الجميع التواجد الرسمي والأهلي سواء من المؤسسات والأفراد من سلطنة عمان في الفعاليات واللقاءات التي تقام في مملكة البحرين، والزيارات المتبادلة بين الجانبين تؤكد على العلاقات القوية على جميع المستويات.
حديث الساعة الآن، هو الأزمة الروسية الأوكرانية وتداعياتها على اقتصاديات المنطقة، ما هي تداعياتها على المشهد الاقتصادي حسب وجهة نظركم وتبعاتها على المنطقة؟
للأسف الأزمة خلقت إشكاليات أخرى مع بدايات التعافي من جائحة (كوفيد-19)، وهي كانت غير متوقعة ولم تكن في الحسبان، وكما تحدث في مثل هذه الحالات، فإن ذلك يؤثر على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
طبعًا الجانب الاجتماعي والاقتصادي كان تأثيره بارزًا من الأزمة، فكل من الدولتين تعدّان مصدرًا رئيسيًّا للقمح في العالم، حيث يعتمد العالم على هذه السلعة.
من جانب آخر، رأينا تأثيرًا على أسعار النفط، فمن جهة ارتفعت فاتورة الطاقة على الدول المستوردة وفي المقابل استفادت الدول بوفورات مالية جراء ارتفاع الأسعار.
وقد أدى ارتفاع أسعار النفط على الدول المستوردة لهذه السلعة الرئيسية، إلى ارتفاع تكلفة دعم هذه السلعة، وإن لم يكن هناك دعم فسيكون هناك تأثير على المؤسسات والقطاعات الإنتاجية والمصانع. أعتقد أن ارتفاع أسعار النفط هو سلاح ذو حدّين، حيث إن هذا الارتفاع يحدث آثارًا عكسية مثل التضخم في سلع أساسية في الطاقة والغذاء على الشركات والأفراد.
في مرحلة كان الكثير من الدول بالمنطقة، تعيد توجيه الدعم لعدد من السلع، فهذه البرامج تأثرت كثيرًا وأرتأت الدول أنها بحاجة لطرح حماية إضافية، فمثلاً في سلطنة عمان جاءت التوجيهات السامية من صاحب الجلالة بتوجيه الدعم لفئات مستحقة للتخفيف من تأثير آثار الجائحة وآثار ارتفاع الأسعار، ولكن تظل دول الخليج، قد تكون بعيدة لحد ما عن التأثير المباشر، خصوصًا مع استخدام سياسة تثبيت الأسعار، لكن لا مناص من إيجاد حلول أخرى مثل إعادة توجيه الوفورات المالية من النفط، وذلك بعد مرحلة ارتفعت فيها المديونية العامة لكثير من الدول، وغربلة المحفظة الائتمانية للدولة لتخفيف الآثار مستقبلًا، والإنفاق الاجتماعي وتأسيس استقرار اقتصادي.
مع هذه التطورات في سوق الغذاء، هل حان الوقت لأن تبدأ دول الخليج مشاريع مشتركة في الأمن الغذائي؟
لاشك في ذلك، ولكن لكل دولة من دول الخليج خصوصية داخلية، حيث عملت هذه الدول على معالجة هذه المساءلة بصورة داخلية بشكل أساسي، ولكن هناك تكاملية مطلوبة، ربما بعض دول الخليج لا توجد لديها وفورات مياه كافية والتقانة في الزراعة التقنية. هناك أسواق في دول الخليج لكن لاتزال الإنتاجية لديها محدودة، والاستهلاك يفوق ما هو موجود.
رأينا بعض التطور في أسواق الحليب ومشتقاته المختلفة، إلى جانب إنتاج اللحوم بمختلف أنواعها، وتنمية القدرات المحلية، ومثل ما حصل في قطاع الطاقة والكهرباء قد نرى مستقبلًا تعاونًا في مجال الأغذية.
كما تعرف فإن دول الخليج تعتمد على النفط بصورة أساسية كمصدر للدخل، هل يمكن إعادة النظر في المرحلة الحالية النظر في تنويع مصادر الدخل في قطاعات أخرى غير نفطية؟
فعلًا، لا يغيب عن بال الجميع أن كل دول الخليج لديها خطط طويلة الأمد في التنويع الاقتصادي. وأعتقد أنه ينبغي النظر إلى موضوع التنويع الاقتصادي من شقين: الأول الاعتماد على النفط للإنفاق الاقتصادي الاجتماعي وتقديم الخدمات، والشق الآخر، توفير فرص عمل في القطاعات الاقتصادية التي يمكن أن تمتص الصدمات.
ولكن التحدي الأكبر هو خلق قطاعات اقتصادية قوية ومترابطة، لا تكون معتمدة على الدعم الحكومي المباشر، وفي المراحل الأولى اتجهت الحكومات لإنشاء الشركات كمحفز مبدئي، واليوم نرى مرحلة التخارج من هذه الشركات وطرحها في أسواق المال وذلك لتقليل الاعتماد على الحكومات للإنفاق عليها وتغطية خسائرها، وهذا تحدٍّ كبير، فنرى الآن محاولة بأن تكون هذه الشركات قوية وقادرة على الاعتماد على نفسها وذلك قبل عملية التخارج من هذه الشركات. المدة الزمنية لمرحلة التخارج تختلف من دولة لأخرى، ففي سلطنة عمان أعلن جهاز الاستثمار العماني أنه خلال السنوات الخمس المقبلة أنه سيتخارج عن عدد من المشروعات في عدد قطاعات والتي يراها أنها وصلت إلى النضج وقبول الأسواق للاستثمار فيها، وذلك بنسبة تخارج كلية أو جزئية، ومن ثم إدراجها في سوق المال.
وإذا ما اعتمدنا على الحكومات في خلق قطاعات وأنشطة اقتصادية، دون الاعتماد على القطاع الخاص، فتلك ستكون من التحديات التي يجب أن نتخطاها.
كما تعلمون فإن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة ثلاث مرات منذ بداية العام وهي الأكبر منذ 30 عاما، وحذت حذوه دول الخليج، ويمكن أن يكون لعمان تجربة مغايرة في ذلك، ما هي توقعاتكم في النصف الثاني وتوجه البنوك المركزية؟
طبعاً السياسة النقدية لدول الخليج بما فيها دولة الكويت الشقيقة مرتبطة بالدولار، فدولة الكويت لديها سلة عملات، لكن نعتقد أنها تميل إلى الدولار الأميركي بشكل كبير إلى جانب عملات أخرى مثل اليورو، وسلطنة عمان والدول الشقيقة ترتبط اعتماد كلي على الدولار.
لا مناص من رفع أسعار الفائدة، ولكن لاتزال مستويات الفائدة الحقيقة في مستويات منخفضة، فمستويات الإقراض تقترب منً % ونسب تضخم تصل إلى 4 % فنحن في الواقع في مستويات السالب. فيجب على الفائدة أن ترتفع في كل الأحوال.
هناك من يرى أن سعر الفائدة سيكون مؤثرًا على القروض الشخصية، ولكن ما سنراه أن جميع دول الخليج سترفع الفائدة مع خطوات الاحتياطي الفيدرالي، النسبة ليست طبعًا 1 إلى 1، ولكن ستكون في مستويات مغرية للاستثمار مع تفوق العائد على التضخم. أعتقد أن مستويات التضخم في الخليج لاتزال محمية مقارنة مع الدول الأخرى، قد لا تتعجل بعض الدول في الرفع المباشر للفائدة، ولكن قد ترى بعض الدول خطرًا على عملاتها، فلذك سيجب مواكبة الفيدرالي.
التأثير المتوقع سيكون في انكماش القروض، والنمو أساسًا ضعيف في القروض والائتمان ضعيف، قد تعتمد بعض الدول على الإقراض الحكومي من خلال صناديق الاستثمار وبرامج التنمية، فقد نتوجه للاستثمارات من غير البنوك، وهذا شيء حميد. أعتقد أن هناك عوامل كثيرة ستؤثر على الاستثمار مستقبلًا، من بينها التصنيف الائتماني، وسلطنة عمان ولله الحمد تحسن تصنيفها في الآونة الأخيرة وتثبيته إلى ايجابي مع تحسن أسعار النفط.
والحذر أن تغطي الحكومات العجز في الادخار والذي نتوقع أن يرتفع أو الاستثمار المباشر أو الإقراض. هناك الكثير من العوامل، ولكن نتوقع أن يكون هناك تباطؤ أو انخفاض للائتمان، والخوف الأكبر أن يكون هناك انكماش، ودول الخليج ليس لديها أدوات سياسة نقدية لمحاربة الانكماش والتضخم، وذلك فسيكون الاعتماد على السياسة المالية، وقدرة وزارة المالية في كل دولة على التعاطي مع هذه المخرجات في ظل تساؤلات بخصوص هل سنرى ركودًا تضخميًّا؟
أعتقد أن الوفورات الموجودة من بيع النفط والغاز هي الهبة التي تحتاجها دول الخليج، ولكن تظل هذه القدرات محدودة مهما كانت الوفورات في الصناديق الاستثمارية التي هي استثمارات طويلة الأجل ويصعب استخدامها في الوقت الراهن.
هل أنت مع استمرار سياسة تثبيت سعر صرف العملات في الخليج أم التوجه للتعويم؟
تعويم العملات حاليًّا صعب في الخليج، ولسنا في مرحلة يمكن تعويم العملات مباشرة. وجود خطة استباقية ضرورية جدًّا، وحتى مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي ترى أن دول الخليج مستفيدة من ربط عملاتها بالدولار الأميركي، لأن هذا يزيل جانبًا من التضاربات في سوق العملة، والتضخم المستورد.
ولله الحمد فإن البنوك المركزية وصلت إلى مرحلة لتغطية الاستيراد إلى 4 و 6 أشهر وهذا مؤشر إيجابي.
كيف تقيِّمون تعامل مملكة البحرين مع تداعيات جائحة “كوفيد- 19” من خلال حزم الدعم إلى جانب خطة التعافي الاقتصادي والتي ارتكزت على عدد من القطاعات الاقتصادية غير النفطية؟
نرى تقاربًا كبيرًا بين سلطنة عمان ومملكة البحرين في الهيلكة الاقتصادية وخطط التنمية الاقتصادية، وتجربة البحرين في التعامل مع تداعيات الجائحة يضرب بها المثل.
كثير من النقاش كيف تمكنت البحرين في التصدي للوباء، وكانت من الدول الخليجية التي تجنبت الأسوأ من الجائحة، ما أعرفه شخصيًّا عن التنويع الاقتصادي والخطط هو ان هناك تشابه في رؤية البحرين 2030 ورؤية السلطنة 2040.
كما أن الإيمان بهذه الخطط من قمة الهرم ضروري جدًّا، حيث انتقلت البحرين من نموذج النمو المعتمد على الخدمات المالية والنقل والسياحة إلى تنويع آخر، وذلك في ظروف وتحديات صعبة جدًّا.
أعتقد أن تجربة مملكة البحرين يمكن استخلاص الدروس منها، وكما هي سلطنة عمان فإن البحرين تتجه إلى تكاملية الإقليم.
بالحديث عن العملات المشفرة، نرى زوبعة أخيرًا بخصوص هذه العملات خصوصًا بعد الانخفاض الكبير في أسعارها، وفي الوقت نفسه هناك توجه من البنوك المركزية لإطلاق عملات رقمية؟ فما رأيكم بما يحصل في هذا الشأن؟
طبعاً يجب أن نسأل أنفسنا ماهي المسببات التي أدت إلى وجود العملات المشفرة، فمن المسببات الرئيسية هو الابتعاد عن التحكم المركزي بالنقد، ويمكن أن يكون كذك بانتقال العملات من السياسات النقدية غير الصائبة في بعض الأحيان، وبعض من يقودون هذه السياسة على جانب واحد. ولكن في وفي دول الخليج فإن تركيز السياسية النقدية ينصب على الحفاظ على العملة ومحاربة التضخم إن وجدت، والاستقرار المالي.
وكان للعملات المشفرة أثر إيجابي ولكن في المقابل هناك أثر سلبي، ومن الآثار السلبية، تخفي بعض المعاملات غير القانونية، وعدم فهم البنوك لها. ومن الآثار الإيجابية تفادي الاعتماد الكلي على المصارف في المدفوعات وتسهيل عملية الوصول.
والجزء الآخر، أن هذه العملات رهينة المضاربة، مما جعل من الصعب على المؤسسات الاستثمارية والجهات المنظمة أن تعتمد هذه العملة، فالعملة يجب أن توفر ثلاثة أمور أساسية وهي قابلية التبادل والاحتفاظ بالقيمة ومعايير في القياس.
ومن المهم الإشارة إلى أن التقنية التي تقوم عليها “العملات المشفرة” وهي “سلاسل الكتل” أعطت آفاق رحبة لتطوير التعاملات المالية والتجارية وتطوير العقود الذكية.
وتوجه البنوك المركزية للعملات الرقمية، لا يعني سوى الانتقال من عملة بشكلها ورقية إلى عملة تجاري التطور، ولكن يكون مفتوحة كما هو الحل في “سلاسل الكتل”، من سيراقب هذه العملة، فهذا غير واضح.
هناك بعض المخاوف في العالم، من أن تقيد العملات المشفرة الرسمية من أن يتم تقييد أو توجيه الإنفاق.
أعتقد أن البنوك المركزية مازالت لم تتفق على نظام معين فيما يخص العملات الرقمية، أو التقنية التي سيتم استخدامها، وإلى ذلك تظل العملات المشفرة قابلة للاستخدام مع تحفظ الاقتصاديين والخبراء على تسميتها عملة حقيقة، ولكن التوجه هو كيف يمكن أن تستفيد البنوك المركزية وتعامل مع التقنية المالية مثل “سلاسل الكتل” و”الفنتك” و”الذكاء الاصطناعي” وغيرها.
لا شيء يفرض على الدول أن تعتمد العملات المشفرة، ولكن أن تمنعها وتخلق سوقًا موازيًّا لها، ولكن هل يتقبل المجتمع هذه التذبذبات أو يتطلب الأمر تدخلًا من الجانب الحكومي لضبط الموضوع وتفادي الاستغلال.