العدد 4909
الخميس 24 مارس 2022
banner
رؤيا مغايرة فاتن حمزة
فاتن حمزة
العولمة بين البناء والهدم
الخميس 24 مارس 2022

نعلم جيداً أنّ العولمة مصطلح لم يكن موجودا في السابق، ظهر وظهرت معه المنافسة والتوسع والانتشار وسط عالم إلكتروني يحتوي الأقمار الصناعيّة والاتصالات الفضائيّة والقنوات التلفزيونيّة، واستطاعت كسر الكثير من الحواجز بين الأشخاص والدول في شتى مجالات الحياة، وقد بدأت هذه الظاهرة نهاية القرن السادس عشر الميلادي مع بداية الاستعمار الغربي لآسيا وأوروبا والأميركيتين، ثمّ ارتبطت بتطور النظام التجاري الحديث في أوروبا، ما أدى إلى ظهور نظام عالمي معقد اتصف بالعالميّة، والذي يطلق عليه اليوم اسم العولمة.

استطاعت العولمة أن تؤثر بشكل كبير على الشعوب وثقافاتها فكرياً واجتماعياً وسياسياً وإعلامياً وحتى اقتصادياً، لذا نرى توسعا كبيرا وتغييرا واضحا بين شعوب الدول بسبب التبادل والتواصل فيما بينها، لم يعد العلم والثقافة وجميع مجالات الحياة حكراً على أحد، فقد أصبحت متواجدة ومنتشرة ومستخدمة من كل فئات المجتمع، خصوصا مع التطور الملحوظ في التكنولوجيا وتحديدًا في وسائل التواصل الاجتماعي التي استطاعت أن تغزو كل بيت بكل ما تحتويه من خير أو شر.

هناك إيجابيات كثيرة نلمسها ونشعر بها ونعيشها اليوم بفضل العولمة والتوسع، لكن تتزامن معها الكثير من السلبيات، فواقعنا مزدحم وبمقدرة أي فرد أن يقود ويحرك ويؤثر على الآخر، سواء كان هذا الفرد مؤهلا أو غير مؤهل، الكل أصبح يتحدث وينشر ويتناقل بما يتماشى مع فكره ومصالحه واهتماماته، حتى استغلها البعض لقمع أي فكر مناقض لآرائه وتوجهاته، منهم من يخفي مقاصد سياسية أو إساءة دينية، والبعض يلهث وراء مصالحه، ناشرين الفتنة والكراهية والعداء والتأجيج.

نجد اليوم في ظل هذه العولمة الكثير من المنافسة والتبادل والتحديث المستمر الذي ينعكس على مجتمعنا بالإيجاب أو السلب، كل حسب محتواه وأهدافه ليصبح المتلقي ضحية وقد يكون أسيرا لها.

لقد تبلورت ظواهر مناقضة للتقدم والتطور حتى أصبح التحكم بها صعبا وشبه مستحيل، أصبحنا نواجه عدوى متناقلة تصيب الآخر، ملوثة فضاءنا بما تحويه من تناقض في الأسس الدينية والمبادئ والعادات والتقاليد والهوية، ومثال ذلك ظهور الفاشينستات ومجاراة الفتيات لهم في البذخ والتعري وغيرها من الصفات الغريبة على مجتمعنا، وانتشار "الشواذ والبويات"، والحسابات ذات المحتوى الركيك الذي يهدف فقط لزيادة عدد المتابعين والتكسب من ورائهم.

هناك جهات رقابية قد تكون مسؤولة عن دور المحاسبة والتوجيه، هدفنا في هذا الموضوع إيصال رسالتنا لها وللجهات المعنية، نأمل أن تحاول جاهدة الحد من هذه الظواهر ووقف تمددها، وعلى المستوى المحلي نتمنى أن تسعى الدولة في تكثيف التوعية من خلال الندوات والبرامج وتشديد الرقابة والمعاقبة لكل من تسول له نفسه تلويث عالمنا والتأثير على أبنائنا والأجيال القادمة.

لكن نبقى في ظل العولمة والتطور والانفتاح اليوم مسؤولين عن أنفسنا لنكون معول بناء لا معول هدم، علينا أن لا ننجرف وراء من يريد أن يسلبنا ديننا ومبادئنا ويقودنا نحو الهاوية، علينا الاستفادة منها واستغلال كل إيجابياتها لننفع أنفسنا ومجتمعنا ونرفع اسم بلادنا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية