لسنا من أنصار تحديد يوم واحد في السنة للأم، ولا شك أن هناك من يجهل أن هذه الأيام أو الأعياد كما يحلو للبعض تسميتها آتية لنا من مجتمعات مادية حين ظهرت برغبة من المفكرين الغربيين والأوروبيين بعد أن وجدوا الأبناء في مجتمعاتهم يهملون أمهاتهم ولا يؤدون الرعاية الكاملة لهن، فأرادوا أن يجعلوا يوماً في السنة ليذكروا الأبناء بأمهاتهم، ثم اتسعت رقعة المحتفلين به.
أما نحن فالأم رغم أن حروف الكلمة اثنان، لكنّ هذه الكلمة تحتوي على أكبر معاني الحبّ والعطاء والحنان والتّضحية، فلا توجد في العالم وسادة أنعم من حضن الأم، ولا وردة أجمل من ثغرها، إنّ الأم التي تهزّ المهد بيسارها تهزّ العالم بيمينها، أمّي هي النّبع الذي أستمدّ منه أسمى مبادئ حياتي، لو كان العالم في كفّة وأمّي في الكفّة الأخرى لاخترت أمي، فعلاً إنّ مستقبل الطفل رهين بأمه.
أمي هي التي صنعتني، فقد كانت أمي امرأة مدهشة، كانت تضمّ كل ما في الأرض من طيبة، كل ما أنا وكل ما أريد أن أكونه يدين لأمّي، إن صَغُر العالم كلّه فالمرأة تبقى كبيرة. إنّ صلوات الأم الصّامتة الرّقيقة لا يمكن أن تضلّ طريقها إلى ينبوع الخير، الأم شمعة مقدّسة تُضيء ليل الحياة بتواضع ورقّة وفائدة، الأمومة هي حجر الزّاوية في صرح السّعادة الزوجيّة، وما يتعلّمه الطّفل على ركبتي أمّه لا يُمحى أبداً، لم أطمئن قط إلّا وأنا في حضن أمّي... فقائمة ما قيل فيها طويلة، ولم أعرف معنى الأمومة إلا عندما رزقت بولد، ثم آخرهم الذي أبصر النور قبل أيام، حينها عرفت أنّ كل ما أقدمه لأمي لا يساوي ليلةً واحدةً سهرت فيها من أجلي، وحينها فقط عشقت عمري لأنّي إذا متُ أخجل من دمع أمّي.
وأي قول بعد قول الله عز وجل “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَاتَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا”.