+A
A-

مزنة لـ"البلاد": أحلم بصناعة تاريخ لمنطقة الخليج ولبلدي عُمان

هناك نقطة واحدة لا يختلف عليها اثنان، وهي أن المخرجة السينمائية العمانية مزنة المسافر، لا تلقن الفن لأبناء وطنها الجميل سلطنة عمان، بل للإنسانية كلها، فالسينما عندها رسالة اجتماعية رفيعة هدفها تهذيب النفس البشرية وتوجيهها إلى المثل العليا للحياة، وجميع أفلامها جذبت الانتباه بمواضيعها ورسالتها الجليلة، إضافة إلى الرؤية الإخراجية وحدة العين والقدرة على الإبداع.

"البلاد" التقت بالمخرجة العمانية مزنة المسافر في هذا اللقاء:

حدثينا عن الحراك السينمائي في السلطنة؟

الحراك في عُمان، هو حراك ثقافي، والذي يميز الحركة الثقافية بالمجمل، هو الفن الذي ينبع من الأرض، والذي يتحرك بصورة عضوية صحية.

أعتقد كلنا جميعا يعلم أن الحراك الثقافي يتأثر بعوامل شتى، اجتماعية، اقتصادية، وأعتقد أن الحركة السينمائية في الخليج بالمجمل خجولة؛ كون البنية التحية للسينما مازالت طور التشييد والعمل.

لقطات فيلمك نحو الضياء تتميز بوعي حاد في التعامل مع الكاميرا ولكينونة الموضوع تجذب المشاهد بشكل كبير.. ما تعليقك؟

التعامل مع الصورة يقتضي حساسية عالية، لابد أن تكون قدرتك على الشعور بالأشياء من حولك من ألوان، أضواء وحتى أشكال مهم، ولابد أن تتعامل مع الكاميرا وكأنها شخص يشعر بما تشعر، وتنقل له حواسك وتعبر لها عما تريد حتى تمنحك ما تستحق.

أنا لا أعمل لوحدي، بل أعمل مع فريق عمل متكامل يساعدني في إيضاح الصورة، فمثلا في نحو الضياء، كان لديَّ معدة (انتصار الصوافية) ألجأ إليها في منح الفيلم خطا أساسيا، والتي تساعدني بشكل كبير في وضع الخطوط الأولى للعمل، ولها الفضل في تشجيعي على مواصلة العمل رغم الإحباطات والمشكلات الصغيرة الكبيرة التي واجهتنا.

وأذهب لاحقا للمصور (محمد الفارسي) والذي يأتي دوره في تشكيل صورة ثابتة، لكن ممتلئة بالعناصر والألوان، وأتناقش مع فنيي الصوت (مسلم المحروقي) والإضاءة (موسى الصارمي)؛ لوضع ملامح أخرى مختلفة للعمل، وكذلك يلعب المونتاج (أشرف الحجي، سمرة الطوقية) دورا كبيرا في تشكيل العمل ومنحه شخصيته، بجانب الموسيقى التي تتماشى مع إيقاع الفيلم (سمير البلوشي، طارق الرئيسي)، وبجانب صوت موهبة شابة تستحق الإشادة هو صوت (فيصل المعشني) وجنود آخرين عملوا على وضع لبنات هذا العمل، فلهم جزيل الشكر.

متى سنرى الفيلم الخليجي ينافس بقية الأفلام في دور العرض. نعم هناك تجارب، ولكنها لم تقدم المطلوب؟

لا يمكننا دفع الفن، ليكون في منصات عالمية دون أن يتكون بشكل عضوي، وجود هذه التجارب في المنصات العالمية ليس مقياس لجودتها، تقديم الفن للمجتمع والقدرة على محاورة الجمهور وكسب وده، والفوز بقلبه أهم بكثير، وأنا اعتقد أنه من الضروري أن نشعر أن ما نقدمه هو فن، وهذا الفن يأتي من مجتمعنا وهو لناسنا وأهلنا قبل أن يذهب إلى أي مكان آخر، لاحقا بإمكانه المضي بعيدا ومغادرة عالمه المحلي لعوالم أخرى أكثر تحديا وتنافسية.

يقول تاركوفيسكي في كتابه النحت في الزمن.. كل مخرج يعمل مع ممثليه بطريقة مختلفة. كيف تتعامل مزنة مع ممثليها؟

لا يوجد طريقة خاصة في التعامل مع الممثل، لكن أنا أحب العمل مع الممثلين غير المحترفين؛ لأنني أشعر معهم بواقعية شديدة، هذا لا يعني أن الممثل المحترف لا يمنحك هذه الواقعية، ولكنني مؤمنة بصناعة سينما ضمن مدرسة الواقعية السحرية.

والسينما تقترب من الإنسان في الخليج، خصوصا أنني أدركت المسافة الآمنة التي تخلقها مع الشخصيات من خلال عملي في العمل الوثائقي التلفزيوني، هناك مسافة ومجال لابد أن تفهمه بينك وبين الشخصيات التي تقوم بتصويرها ومنحها ثواني، أو دقائق أو حتى ساعات أمام الكاميرا.

أفلامك تحمل بذور الرفض والتمرد وإن ظهرت محافظة شكليا.. رأيك؟

لا أدري إن كانت الثلاثينات التي أعيشها تعكس تمردي، فأنا أجد نفسي شخصية خجولة رغم جرأتي، وأجد نفسي شخصية كتومة رغم وضوحي لكن الفن هو عبارة عن مساحة حرة تقتضي أحيانا أن تكون بعيدا قليلا عن النطاقات الأخرى، لتتمكن من الإبداع وإعطائه ما يستحق، الخروج عن الصندوق الذي اعتدت عليه.

ما حلمك السينمائي الذي تتمنين تحقيقه؟

ليس لي أحلام سينمائية، لي أحلام تتعلق بي كفنان وإنسان بالدرجة الأولى، لي أحلام متعلقة بغرس حب الفن في نفوس الأجيال القادمة، لي أحلام تتعلق ببلدي ووطني، ولي أحلام تتعلق بالخليج الذي أنا منه والذي نتجذر كلنا من بحره، وصحرائه، وجباله.

وأول حلم هو أن نعيش الحياة بطولها وعرضها ونحن نراها كفيلم يستحق التوثيق أو التدوين، وليس بالضرورة حياتنا قد تكون حياة الآخرين الذين نصادفهم في مشوار الحياة.

أشعر أن لديك إصرارا خارقا على التميز خليجيا وعربيا.. ما السبب؟

لي هذه الأمنية، لكن أتمنى أن تدفعني الحياة باتجاه أستطيع فيه أن أصنع تاريخا لمنطقة الخليج ولبلدي عُمان، لابد أن يكون كلٌ منا له هذا الإصرار والحلم، الحياة تبدأ بالأفكار والأحلام وتنتهي بالعمل والتحقيق.

لابد أن يكون كلٌ منا مسؤول في تحقيق النجاح المنشود لمنطقتنا، فهي المنطقة التي يعيش فيها أبناؤنا، والتي ستكون لأحفادنا، وللأجيال التي تلينا، والتي ستتمنى لو كنا نحن من بادر في ترك شيء ما لهم.

هل من كلمة أخيرة لأهل البحرين؟

سأخص شباب البحرين بهذه الكلمة، لا تخافوا من الشمس، لا تخافوا من شعاعها، أو لا تنزعجوا من بريقها، فهي علمت أجدادنا السابقين القدرة على الصبر والتحمل، ومواصلة المسير.​