الغرض والهدف من هذا المقال هو الاستمرار ومواصلة قرع أجراس التوعية والتنبيه، وتأدية واجب مخاطبة أبناء جلدتي من العرب الشيعة في البحرين وباقي الدول العربية، لكي يقفوا جميعًا رافعي الرؤوس بكل فخر واعتزاز بهويتهم العربية وعقيدتهم الإسلامية وولائهم الوطني وانتمائهم المذهبي، مصرين على ترسيخ تمسكهم بالإخلاص والولاء لأوطانهم، رافضين تقزيم وتهميش أنفسهم حتى لا يصبحوا فعلًا أقلية في ديارهم، معززين وجودهم ودورهم واندماجهم كمكون أساسي وجزء عضوي مكمل وفاعل ومشارك في خدمة أوطانهم وتنمية مجتمعاتهم العربية، متجنبين الوقوع فريسة لوهم “المظلومية”؛ فالمظلومية إن وجدت اليوم في أي مجتمع فستشمل وتطال الجميع، ولن ينجو منها أحد، ولن يكونوا وحدهم ضحاياها، وأن لا يتملكهم الإحساس والظن بأنهم أكثر حاجة إلى الإنصاف من غيرهم، وعليهم أن لا ينسوا أن قادة وسادة التشيع هم العرب وليس غيرهم، وأن مسقط رأس التشيع ومعقله وبؤرة إشعاعه كان وما يزال وسيبقى عراق الأمة العربية وليس غيرها؛ ففيها مراقد أئمتهم وعتباتهم المقدسة ومركز مرجعيتهم الأصلية الأصيلة، ويجب ألا يسمحوا لأحد بتعطيل وشل عقولهم، ومحو ذاكرتهم أو اختطاف خطابهم، كما عليهم الانخراط بكل ثقة وتفاؤل في العطاء والحراك الوطني بعناوينهم وهوياتهم الوطنية وليس بانتماءاتهم المذهبية.
إن الهدف والغرض من هذا المقال أيضًا هو المساهمة المتواضعة في تعزيز انتفاضة “الوعي العربي الشيعي” لدى العرب الشيعة، التي تفجرت في داخل وجدانهم، بعد أن اتضحت الصورة لهم، وانكشفت الأهداف الحقيقية لمشروع “تصدير الثورة ونظرية ولاية الفقيه”؛ وبعد أن أدرك العرب الشيعة، أو غالبيتهم على الأقل أن النظام الحاكم في طهران ليس نظاما إلهيا مقدسا كما يدعي بل هو نظام سياسي أكثر من غيره عنفا وتشددا في جعل تحقيق المصالح الوطنية الإيرانية جوهر ولب وجوده وهدفه، ووضعها فوق وقبل أي اعتبار آخر، وهو على كل حال ليس نظامًا مخولا أو مؤهلا لرعاية وحماية الشيعة في كل مكان كما يقول؛ هذا على افتراض أن الشيعة في أوطانهم في حاجة إلى رعاية أو حماية أي طرف خارجي.
وعندما نقول النظام الحاكم في إيران فإننا بكل وضوح لا نعني أو نشير إلى الشعب الإيراني الصديق الذي نكن له كل التقدير والاحترام، ونتعاطف معه، ونعتقد أنه أكبر الضحايا ومن أكبر المتضررين والخاسرين جراء السياسات التوسعية التي تتبعها حكومته.
إن انتفاضة الوعي العربي الشيعي تجلت أنصع صورها في الاحتجاجات التي قادها شبابنا الشيعي العربي في الآونة الأخيرة في العراق وفي لبنان، بعد إدراكهم لخطورة مشاريع النظام الحاكم في إيران التي أدت إلى إفقارهم وتقهقرهم وتدمير أوطانهم، وكان هدفها اقتلاعهم من جذورهم العربية، وانتزاع هويتهم الوطنية، واستدراجهم لارتكاب العنف والإرهاب، وتوظيف شعورهم وانتمائهم المذهبي لتحقيق الأطماع التاريخية الساسانية في بلادنا، (كما يحاول أن يفعل العثمانيون الجدد في اسطنبول بالنسبة لأشقائنا السنة) واستخدام أجسادهم جسورا للعبور فوقها لبسط نفوذهم، وحطبا لاشعال نيران الفتنة والاقتتال في مجتمعاتهم بغية إحداث الشروخ التي ستمكنهم من تمرير مشروعهم السياسي المغلف بغطاء ديني شيعي مزيف ألصقوا عليه علامة “ولاية الفقيه”؛ وهو مشروع فكري توسعي متطرف؛ بعيد كل البعد عن المبادئ الاسلامية وعن قيم التشيع التي تشمل شعار “حب الأوطان من الإيمان”؛ مشروع غايته التحكم في العرب الشيعة ومصادرة القرار من يدهم، ويراد منه شد الشيعة إلى الوراء وتعزيز روح الانكفاء والانعزال الطائفي لديهم، بدلًا من روح الاصطفاف الوطني، واشغالهم في اجترار آلام الماضي على حساب آمال المستقبل، مشروع يراد من خلاله التهيئة للتدخل والهيمنة بافتعال “المسألة الشيعية” ومأسسة الطائفية في الوطن العربي، واستخدام سلاح الفرز والتفرقة والاستقطاب في المجتمعات والدول العربية تنفيذا لقاعدة “فرق تسد”، واستنهاض مفهوم “المظلومية التاريخية” المدفونة في ضمير الكثير من الجماعات الشيعية، وبغية خلق حالة من الاحتقان والتأزيم والتمزيق الطائفي في المنطقة لإضعاف الجسم العربي تمهيدًا للانقضاض علية وابتلاعه.
لقد نجح النظام الحاكم في إيران في اختراق صفوف بعض الشيعة العرب، والوصول إلىهم، والهيمنة على أوطانهم بعد التسلل من خلال شقوق الاختلال في علاقتهم بحكوماتهم. لقد رأى الشيعة العرب في البحرين والسعودية وباقي دول الخليج العربية بأمهات أعينهم أحوال إخوانهم الشيعة العرب في الدول العربية الأخرى الذين كانوا قد صدقوا واستجابوا وانخدعوا بشعارات ورايات ونداءات تصدير الثورة؛ فرأوا ما آلت إليه أحوال الشيعة اللبنانيين بل ما آل إليه مصير لبنان الجميل بأسره من خراب ودمار، وكذلك الحال بالنسبة لشيعة العراق الذين يبكون الآن بدمع من دم لما آل إليه مصيرهم ومصير وطنهم من هدم وتدمير وتفتيت وتمزيق.
إن على رجالات الشيعة العرب أن يستمروا في رفض ومقاومة محاولات تسييس انتمائهم المذهبي؛ بل عليهم الاستماتة في الحفاظ على نقائه، والعمل على صهره في بوتقة الهوية الوطنية الجامعة.
ولنعد الآن إلى عنوان مقالنا لهذا الأسبوع وهو “رعايا إيران من العرب الشيعة وأحاديث مع الوزير”؛ والوزير المقصود هو السيد حسين كمالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية الأسبق بجمهورية إيران الإسلامية، والذي يشغل اليوم منصب رئيس حزب العمل الإسلامي في إيران.
فقد التقيت وتعرفت على السيد كمالي عندما ترأست وفد مملكة البحرين وشاركت في العام 1996 لأول مرة في المؤتمر السنوي لمنظمة العمل الدولية الذي يعقد في شهر يونيو من كل عام في مدينة جنيف السويسرية، ونمَت بيني وبينه منذ لقائنا الأول علاقة صداقة ومودة واحترام متبادل، وتبادلنا فيما بعد الزيارات الرسمية بين بلدينا، وقد زار السيد كمالي البحرين مرتين، وبدوري زرت إيران مرتين كدلك، وقد دارت بيننا أحاديث كثيرة أثناء لقاءاتنا المتعددة حول تحديات أسواق العمل وقضايا التدريب والتأهيل والأمور السياسية والدينية والعلاقات بين إيران ودول الجوار وغيرها من المواضيع.
التقينا لأول مرة لتناول القهوة في كافتيريا مبنى “باليز دي ناسيونز” أو “قصر الأمم”، في جنيف، وهو المبنى الذي يضم المقر الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة، والذي ينعقد فيه مؤتمر العمل الدولي في كل عام.
غدًا سنحاول أن نتطرق إلى بعض المواضيع التي تحدثنا حولها بما في ذلك أحوال وأوضاع الشيعة في البحرين مقارنة برعايا جمهورية إيران الاسلامية من إخواننا العرب الشيعة في إيران، كما سنتطرق إلى لقائي في طهران بالسيد حسن حبيبي نائب الرئيس الإيراني محمد خاتمي خلال زيارتي الرسمية لإيران في شهر أكتوبر 1998.