+A
A-

كل أنواع الابداع موهبة ولكنها لا تستغني عن التدريب

تلقى المحترفات الأدبية "أو ورش الكتابة كما تسمى " اعتراضات من قبل البعض ، وفي الوقت نفسه تشهد اقبالا من الذين يتوسمون فيها عونا لهم على شق الطريق نحو الكتابة ، يرى المعترضون بأن الكتابة هي بالأصل موهبة فطرية ، إما أن تملكها أو أنك لا تستطيع تعلمها ، وأن ورش الكتابة هي فقط ظاهرة تجارية لا تعنى بالقيمة الأدبية للمنتج الثقافي ، كما وتفرز أنماطا " معلبة " من الأدباء يكونون فقط نسخة مكررة من مدربهم ، أي أنها لا تصنع لنا موهبة.

فتحية ناصر

ومع ذلك فقد فرضت هذه الورش نفسها على الساحة الابداعية بفضل المقبلين عليها ، وبفضل فريق آخر من المؤمنين بأن الابداع  " يمكن تعلمه ".

ربما نتفق بأن تلك المحترفات هي بالفعل غير قادرة على صناعة الموهبة ، ولكن ما هي الموهبة أصلا ؟ هي شيء غامض ، ولا أحد يستطيع الحكم على موهبة أحد إلا على مدار عدة محاولات وبعض زمن ،كما أن الموهوبين " فطريا " الذين لا يتدربون بالشكل الكافي ، يبقون في أماكنهم ، لا يتطورون ، ومع مرور الأيام تبدأ حتى تلك الموهبة الفطرية بالتراجع في داخلهم.

إن كل أنواع الابداع هي في أساسها موهبة فطرية ولكنها لا تستغني عن التدريب لتنمو : الرسم ، التمثيل ، عزف الموسيقى ، الالقاء .... فقط حين يتعلق الأمر بالكتابة نلاحظ النفور من الفكرة، ونردد بأن الانسان إما يولد كاتبا وإما لن ينجح في الكتابة.

صحيح ، ربما ، أن الكتابة بالذات ، من بين جميع تلك المواهب الأخرى ، يمكنها أن تستمر معنا لوقت طويل بالاعتماد فقط على الموهبة الفطرية ، ولكن ماذا بعد ذلك ؟. إن تقنيات الكتابة عديدة ، ولا يمكن لنا جميعا أن نكتشفها بالفطرة.

كما أن هنالك موهوبون قد لا يعرفون بعد كيف يتعاملون مع موهبتهم ، وكيف ينمونها، وهنالك موهوبون خجولون، يحتاجون للتشجيع كي يُظهروا للناس ما كتبوه وهنالك موهوبون لا يستطيعون تقييم ما يكتبونه ويحتاجون لتأكيد غيرهم عليه ، ليطمئنوا إلى امتلاكهم الموهبة بالفعل.

هنالك من يؤمن بالالهام وينتظره، وهنالك من يعتمد على مزاجيته ، وهنالك من لا يستطيع مقاومة التشتت ويحتاج لمن يجبره على التركيز ، أو لمن يشعره بأن الكتابة ( واجب ) عليه القيام به ، لمثل هؤلاء إذن ، قد تكون الورش التدريبية فرصة ثمينة تزيدهم إيمانا بأنفسهم، وتعلمهم أهمية العمل في اطارممنهج ومنظم،وأهمية تخصيص وقت للكتابة.

وحتى الكاتب ذو الخبرة ، قد يحتاج بعد بعض الوقت لأن يجدد جلده، أو يشحذ أدواته، أو يغير أسلوبه ،فيسعى من خلال الورشة لاستكشاف مزيد من الأدوات يختبرها في تجاربه القادمة.

كل راغب بالبقاء في مجال الكتابة، يحتاج لتقييم نفسه باستمرار، وبعد ذلك يستطيع أن يقر بما يمكن للورشات أن تمثله من أهمية بالنسبة له في هذه المرحلة ، أو تلك ، من مراحل حياته الابداعية.

وتبقى الهواجس الأخرى من قبيل استنساخ نمط المدرب ، أمورا يمكن للمتدرب أن يتجاوزها لاحقا ،حين يسعى لإيجاد صوته الأدبي الخاص ، والتأكيد عليه​.