+A
A-

شهر ونصف على غضب العراقيين.. هل تراجع ظل إيران؟

منذ الأول من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، اجتاحت موجات الاحتجاجات الغاضبة العاصمة العراقية، بغداد، ومدن الجنوب، بدأت مطلبية ضد الفساد وتأمين فرص عمل وتحسين الاوضاع المعيشية. لكن سرعان ما صعّد المحتجون مطالبهم، التي تحولت إلى تغيير شامل للنظام القائم في البلاد منذ 16 عاماً.

وقتل أكثر من 300 متظاهر حتى الآن في تصدي قوات الأمن للاحتجاجات في أغلبها بإطلاق الذخيرة الحية والرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين. واتخذ رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، بعض الإجراءات في محاولة لتهدئة الاحتجاجات، إلا أن هذه المبادرات باءت بالفشل.

كما كشفت الاحتجاجات عن استياء العديد من العراقيين من بسط النفوذ الإيراني على بلادهم.

وتسعى طهران لإخماد التظاهرات ومنع الإطاحة بعبد المهدي، وذلك عبر مساعي قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، الذي كثف مؤخراً زياراته إلى العراق، بحسب ما أفادت وكالة رويترز قبل يومين.

وأوضحت الوكالة أن سليماني وافق على خارطة إصلاحية في العراق، تتضمن بقاء عبد المهدي رئيساً للوزراء حتى اجراء انتخابات جديدة العام المقبل. كما أشارت إلى أنه تم وضع خطة جديدة أقرها سليماني من أجل حصر التظاهرات، تحظى بدعم الأحزاب الموالية لإيران، بالاضافة إلى بعض الأحزاب السنية والكردية.

إلى ذلك، طرحت تلك التظاهرات المستمرة تساؤلات عدة من قبل مراقبين للشأن العراقي، حول مدى تأثيرها على المنحى السياسي المصيري في البلاد، ومدى ضربها أو "تليينها" لقبضة إيران على البلاد، عبر بعض الفصائل والأحزاب العراقية الموالية لها.

انقسام سياسي

وفي هذا السياق، اعتبر المحلل السياسي، سرمد الطائي، أن "صمود المتظاهرين في الساحات أدى إلى تغيرات كثيرة وكبيرة في الآونة الأخيرة، إذ يمكن القول الآن إن الساسة انقسموا وهذه لحظة اختبار لهم، فمنهم من خضع للتأثير الإيراني، ومنهم من وقف مع الشارع وانتقد تدخل طهران بشؤون البلاد"، مشدداً على أن مواقف دولية مهمة سجلت وأيدت خيارات الشعب، منها الأميركية والأوروبية.

وأوضح الطائي لـ"العربية.نت" أن هناك إصرارا من المحتجين على إصلاح جذري وشامل. كما أشار إلى أن "إيران مسؤولة عن قتل المتظاهرين، وقد برزت الشعارات الشعبية التي تطالب بكشف القتلة من حملة البنادق والقناصين"، مؤكداً أن هذه المرة الأولى التي يسقط فيها هذا العدد من المتظاهرين بعد 10 سنوات متواصلة من الاحتجاج منذ عام 2010. ولفت إلى أن "القصة لا تتعلق بإيران فقط بل بطريقة إدارة اللعبة في العراق مع الجمهور الغاضب".

تلكؤ ببناء الثقة

من جهته، قال المحلل الاستراتيجي والخبير في شؤون الجماعات المسلحة، هشام الهاشمي، لـ"العربية.نت" إنه "لا يزال هناك متسع من الفرص في تحقيق الإنجاز العراقي في التهدئة والاحتواء، لكن حتى الآن لا تزال مقدمات صناعة الثقة متضعضعة ولم تصل درجة أن تكون جسراً بين الحكومة والمتظاهرين".

كما أشار الهاشمي إلى أن "المتظاهرين ما زالوا يعتقدون أن وعود هذه الحكومة مخدّرة، وبالتالي هم يطالبون بعربون لصناعة جسور الثقة من رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس القضاء والأمم المتحدة، داعين أن تقوم الحكومة بالاستجابة سريعاً للمطالب الشرائحية، حيث لكل شريحة مطالب اقتصادية خاصة".

وتابع: "باستطاعة الحكومة أن تنفذ الاستجابة السريعة، إلا أنها لا تزال متلكئة في صناعة جسور الثقة وبالتالي كلما ماطلت أو تعطلت في بناء الثقة بينها وبين المحتجين كلما ضاعت الفرصة من العراق"، مضيفاً: "ليس من مصلحة الإيرانيين إطالة أمد هذه التظاهرات لأسباب سياسية وأخرى لها بُعد في صناعة أكثرية شيعية مؤمنة بالنظام ومكتسبات الأحزاب السياسية الموالية لها".

بدوره، اعتبر الخبير في شؤون الجماعات المسلحة والمحلل الاستراتيجي، فاضل أبو رغيف، لـ"العربية.نت"، أن "الحل لا يزال بيد صناع القرار العراقي، ولكن فلنعرف من هم صناع الحل في البلاد. هم 6 أشخاص فقط يمثلون الزعامات الدينية لكتل موجودة تحت قبة البرلمان وليس لرؤساء تلك الكتل. فرؤساء تلك الكتل لا يستطيعون أن يبدوا آراءهم ما لم يرجعوا إلى زعمائهم الروحيين".

صدمة لإيران

إلى ذلك، قال المحلل الاستراتيجي، نجم القصاب لـ"العربية.نت" إن "الطرف الإيراني اليوم تراجع كثيراً في حسم الأوامر أو القرارات أو الإصلاحات، والدليل على ذلك أن المواطنين في كربلاء والناصرية والبصرة رفعوا شعارات "إيران برا برا"، وهذا الأمر يحصل لأول مرة في هذه المدن التي كانت تعول عليها طهران وتعتبرها مدنا موالية لها، فكانت صدمة لها بكل معنى الكلمة".

وأشار القصاب إلى أن "القرار الآن بيد الشعب العراقي، وإذا استمرت الاحتجاجات والضغوط على القوى السياسية، ستتغير المعادلة بمجرد تعديل قانون الانتخابات واستبدال مفوضية الانتخابات بقضاة وبإشراف أممي".

كما أكد أنه "من هذا المنطلق يمكن معالجة كل الأخطاء السابقة. وبعدها عندما يصل برلمان نابع من رحم الشعب، ويصل النواب باستحقاق انتخابي وليس مزيفاً أو مزوراً أو عن طريق رئيس الكتلة، هذا سيعني أن هناك عملاً جاداً، خصوصاً إذا انطلقوا بفتح ملفات الفساد منذ عام 2003 وحتى هذه اللحظة".