+A
A-

انطلاقة قوية للقطاع المصرفي البحريني في سبعينات القرن الماضي

تحتفل مملكة البحرين هذا العام بمرور 100 عام على تأسيس القطاع المصرفي، وقد أعلنت جمعية مصارف البحرين عن إطلاق هذه الاحتفالية خلال شهر إبريل الماضي، وتتضمن جملة من الفعاليات والإصدارات واللقاءات، وصولا ليوم الاحتفال الرسمي بهذه المناسبة بتاريخ 11 ديسمبر القادم تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء.

وفي هذا الإطار تُجري جمعية مصارف البحرين عدد من اللقاءات الصحفية مع قيادات مصرفية حالية وسابقة، تستعرض فيها جوانب من تميز القطاع المصرفي البحريني، والذي كان على الدوام حاملا لمسيرة التنمية والازدهار الوطني في البحرين واحد أعمدتها الأساسية.

ويقدم وزير المالية الأسبق ابراهيم عبد الكريم محمد جوانب من رؤيته لمراحل تطور القطاع المصرفي في البحرين في سبعينات القرن الماضي، يقول "كانت البنوك الموجودة في البحرين في السبعينيات من القرن الماضي تقليدية، وكذلك كانت منتجاتها، والخدمات التي تقدمها، مثل قبول الودائع ومنح القروض وفتح الاعتمادات المستندية. وقد وجدنا في العام 1972 أن عدد البنوك في البحرين كان محدودا، وكنا نتحاشى إصدار تراخيص لمصارف عالمية جديدة في البحرين خوفا من منافستها، غير العادلة، مع البنوك المحلية. ولكن كانت الفوائض النقدية من عوائد بيع النفط تتضاعف، وبوتائر سريعة متلاحقة، في دول الخليج العربي، وهو ما فتح شهية المؤسسات الاستثمارية العالمية، ولم يكن هناك مصارف كبيرة، تمتلك الوسادة المالية، والخبرة الكافية التي تؤهلها للتعامل مع تلك المبالغ الهائلة المتراكمة من تلك الفوائض.

حينها فكرنا في موضوع تطوير البحرين كي تكون مؤهلة لأن تصبح مركزا ماليا متطورا في المنطقة، كما تذكرت أيضا ما جاء في مقال قرأته للدكتور سليم الحص – الذي أصبح حينها رئيسا لوزراء لبنان لعدد من السنين. كان عنوان المقال (نحو منطقة حرة للمصارف في لبنان)، .... وفي العام 1975 اندلعت الحرب الأهلية في لبنان، ولم تتحقق الفكرة هناك، وبدأنا نتلقى طلبات نيل رخص لفتح فروع لبنوك عالمية في البحرين، لعدم وجود قنوات مصرفية في المنطقة للتعامل مع الثروات النقدية السائلة المتراكمة الناتجة عن إرتفاع أسعار البترول، (مضيفا)، لذلك أخذنا الفكرة وطورناها الى رخص مصارف الأفشور (الوحدات الخارجية). وقد شدت هذه الرخص، وما حملته من تسهيلات إجرائية، انتباه مصارف عالمية ومن بلدان كثيرة في العالم للتواجد في البحرين. حينها، كانت تلك البنوك تبحث عن الفرص المناسبة لتقديم خدماتها للدول الخليجية لاستثمار فوائضها النفطية، وكذلك منح القروض لدول العالم لبناء الاقتصاد. وفعلا ساهمت هذه المصارف في التنمية الاقتصادية في مختلف مناطق العالم". يسترسل عبد الكريم،

مستذكرا تلك الفترة الذهبية من ازدهار الحركة المالية والمصرفية في البحرين قائلا، " في المقابل كانت البحرين لديها مميزات عدة ساعدت على جذب مصارف الأفشور اليها، من بينها وجود كوادر بشرية بحرينية، مؤهلة ومدربة، وعدم وجود ضرائب أو رسوم، كل ذلك بالإضافة إلى انفتاح البحرين الاجتماعي على الثقافات الأخرى. ساعدنا في ذلك أيضا، الموقع الجغرافي الاستراتيجي، حيث كانت المصارف تتعامل مع أسواق الشرق الأقصى صباحا ومع الدول الخليجية ودول الشرق الاوسط نهارا، ومع اوروبا مساءا، ثم مع أمريكا بعد ذلك في الجزء الأول من الليل".

ويمضي عبد الكريم قائلا، "وحبن طرحنا فكرة المركز المالي للمناقشة في مجلس الوزراء لاقت استحسانا من لدن رئيس مجلس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان ال خليفة، الذي لم يتردد أبدآ، بل سارع الى تشجيع الفكرة. ولما عرض الأمر بعد ذلك على صاحب السمو المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان ال خليفة وافق على ما طرحه مجلس الوزراء وأمر بإصدار نظام مصارف الأفشور في البحرين، كنظام وليس وفقا قانون لتفادي الدورة الطويلة التي تأخذها القوانين حين إصدارها وتعديلها".

وقد جاءت النتائج المجزية كي تثبت صحة وجدوى هذا التوجه، وهو ما تؤكده الأرقام والإحصاءات   التي عكست نمو قطاع المصارف في البحرين بمعدلات عالية جسدها عدد المصارف، وحجم موازناتها.

وحول ترؤسه لبنك البحرين الوطني، يقول ابراهيم عبد الكريم محمد، "إن بنك البحرين الوطني، الذي كان يتولى رئاسة مجلس إدارته حينذاك المغفور له المرحوم السيد على أحمد كانو رحمه الله، كان من بين أعضاء مجلس إدارته وزير المالية آنذاك المرحوم محمود العلوي، ممثلا لحصة الحكومة فيه".

ويضيف: وحين خلفت المرحوم السيد محمود في مجلس إدارة البنك، وجدت ان من ضمن المالكين في البنك - بنك كرندليز البريطاني بنسبة 25 % من رأس المال، إضافة الى وجود ملاك اخرين من الهنود والسعوديين. وحيث أن الهدف من وراء تأسيس البنك كان، وما يزال، أن يكون وطنيا خالصا، فقد تم تغيير الاسم إلى "بنك البحرين الوطني"، وحصرنا ملكيته في الدولة والمؤسسات والأفراد البحرينيين".

هذا وقد واصلت البحرين خطط التوسع في قطاع الصيرفة أيضا، لتصبح، في مراحل لاحقة، مركزا ماليا عالميا لهذا القطاع المالي الحيوي، الذي أخذ ابعادا غير مسبوقة في بداية العام 1975، حيث أن الحكومة رأت أن الفرصة أصبحت سانحة للاستفادة من ارتفاع مداخيل الدول الخليجية من مبيعات النفط، وكيفية الاستفادة منها في إعمار دول الخليج. وسعت في وضع القوانين والإجراءات اللازمة لتمكين القطاع المالي للعب الدور المناسب لاستقطاب المصارف العالمية والمؤسسات المالية للتواجد في البحرين، لقيادة عملية التطوير في المنطقة.

وبهذا تكون البحرين وبكل مقومات ماضيها الحضاري، وإرثها الثقافي، الممتد لألاف السنين، قد واصلت دربها في وضع إمكاناتها في إيجاد مقومات اقتصادية صلبة لمواطنيها وجيرانها، وربطت نفسها بشركاء جدد في عالم المصارف من خلال وضع إمكاناتها لخلق مركز استراتيجي له أهمية عالمية.