+A
A-

غضب في بعلبك ضد مزاحمة النازحين..والسوريون "لا ذنب لنا"

يوماً بعد يوم تتفاقم مشكلة النزوح السوري في لبنان عموماً وفي المناطق الأكثر إيواءً لهم خصوصاً، لتتساوى الأوضاع المعيشية الصعبة بين اللاجئ والبيئة التي احتضنته.

فقد تحول اللاجئ السوري الذي هرب من الموت والدمار في سوريا، في بعض المناطق اللبنانية لا سيما البقاع (شرق لبنان) إلى عبء، بحسب تعبير بعض سكان المناطق في البقاع.

وأجبرت الظروف المعيشية الصعبة التي يرزح تحتها اللاجئون إلى التوجه نحو سوق العمل، ما ساهم في رفع نسبة البطالة بين اللبنانيين، لا سيما أصحاب الدخل المحدود، نتيجة المنافسة، وسط تقاعس السلطات اللبنانية عن تحمّل مسؤولياتها في تنظيم وجود اللاجئين.

وقد عمدت مجموعة من الشبّان والشابات من أصحاب محال تجارية من مدينة بعلبك (شرق لبنان) يوم الأحد إلى الاعتصام وسط المدينة احتجاجا على "انتشار محلات تجارية لنازحين سوريين في بعلبك، دون رقابة من السلطات المحلية، مطالبين الدولة بإيجاد حل لهذه المشكلة وإقفال محلات السوريين.

"طفح الكيل"

عبارات التململ اللبنانية كثيرة، منها "السوري عم بياخد اللقمة من قدّامنا"، وهي عبارة كررتها فاطمة (اسم مستعار) صاحبة محل ألبسة مستعملة في مدينة بعلبك، وباتت لسان حال جيرانها من أصحاب المحال.

وقالت لـ"العربية.نت" "لقد رفعنا الصوت ضد المنافسة منذ سنوات من دون نتيجة، لكن اليوم طفح الكيل. المشكلة ليست بأن يستثمر النازح السوري وإنما بمنافستنا بالأسعار عبر بيع المنتوجات بأسعار أقل من أسعارنا وهو ما يُعرف بمحال (1$)، في حين أنه لا يدفع ضرائب ورسوم مثلنا".

وما يزيد من الطين بلّة برأيها "أن الدولة تصم آذانها ولا تتحمّل مسؤولياتها في حماية اليد العاملة اللبنانية ضد المنافسة الأجنبية"،

وسجّلت عتبها على أبناء بعلبك "الذين يؤجّرون محالهم التجارية للسوريين من دون أن يتضامنوا معنا في تحرّكنا الذي يصبّ في مصلحة مستقبل أولادهم".

وإذ وصفت الوضع المعيشي والاقتصادي في مدينة بعلبك بـ"الصعب"، لاسيما أن معدلات البطالة في صفوف الشباب مرتفعة جداً وهو ما يُنذر بنتائج سلبية"، استغربت "سبب بقاء النازحين السوريين في لبنان حتى الآن في وقت عاد الأمن إلى العديد من المناطق السورية".

إلى ذلك، أعلنت أن "تحرّكنا لن يكون الأخير وسنصعّد تباعاً، لأننا لن نسكت عن حقّنا، والبلدية إلى جانبنا".

"أسعارنا أرخص "

في المقابل، أكد أحمد أن ما تقوله "جارته" في السوق التجاري في بعلبك فاطمة لجهة أخذ اللقمة من باب أولادها، عار عن الصحة.

وأوضح لـ"العربية.نت" أن "جل ما في الموضوع أننا نبيع البضائع بأسعار مقبولة في حين أن اللبناني يبيعها بضعف أسعارنا، لذلك من الطبيعي أن يلجأ المستهلك إلى شراء المنتوجات الأقل سعراً".

كما أشار إلى "أن بعض التجّار في مدينة بعلبك عرضوا علينا رفع أسعار بضائعنا لتتساوى مع أسعار بضائعهم، لكننا رفضنا ذلك، لأن هدفنا البيع الكثير والأرباح القليلة".

وفي حين يتّهم أصحاب المحال التجارية اللبنانية النازحين السوريين بأنهم لا يدفعون المستحقات المتوجّبة عليهم للبلدية، لذلك فإن أسعار بضائعهم منخفضة مقارنةً بأسعارهم، يؤكد أحمد الذي نزح من سوريا منذ بداية الحرب "أن من يدفع هذه المستحقات هم أصحاب المحال اللبنانيين، ونحن نُدير محالهم كموظفين لديهم لا أكثر، والبلدية تتعاطى مباشرة مع مالك المحل وليس الموظفين، وكل أوراقنا قانونية"، مستغرباً الحملة التي بدأها أبناء بعلبك ضد النازحين في حين أن أوراقنا قانونية مئة بالمئة"

البلدية تنفي المزاعم" وتؤكد "يديرون المحال فقط"!

حديث أحمد، أكده بدوره رئيس بلدية بعلبك العميد حسين اللقيس لـ"العربية.نت" قائلاً "نحن كبلدية نطبّق القانون ونلتزم بأحكامه، وحاولنا اتّخاذ إجراءات ضد محال السوريين، لكن تبيّن بعد جولة على الأرض أن السوريين يديرون المحال التجارية لبعض أبناء مدينة بعلبك بطريقة قانونية(ولا يستأجرونها)، ولا شيء في القانون يمنع استخدام اليد العاملة الأجنبية طالما أن أصحاب المحال التجارية يدفعون الضرائب والرسوم المتوجّبة عليهم من البدلية".

وأشار الى "أن صاحب المحل اللبناني هو من يتكفّل بدفع الرسوم والضرائب وتجديد رخصة الإيجار، أما السوري فيقتصر عمله على إدارة المحل، ما يعني أن نطاق عملنا يقتصر على مدى التزام صاحب المحل اللبناني بتسديد الرسوم المتوجّبة عليه للبلدية".

وعمّا إذا كان هؤلاء السوريون يملكون أوراقاً ثبوتية وإقامات، أوضح رئيس بلدية بعلبك "أن هذه مهمة الأمن العام اللبناني، ونحن نبلّغ عن أي سوري لا يملك أوراقا ثبوتية، أما الذين يُديرون المحال التجارية في المدينة فهم شرعيون ويكفلهم صاحب المحل اللبناني".

إلى ذلك، اعتبر اللقيس "أن الحل لهذا الموضوع يكمن في تشديد الاجراءات القانونية من حيث الإقامة وإجازات العمل، وهذه مهمة وزارة العمل والأمن العام اللبناني والأجهزة الامنية الأخرى".

وزير شؤون النازحين يؤكد: إدارة المحال غير مسموحة

من جهته، قال وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي للعربية.نت :"إننا نحتضن السوريين إنسانياً وقدّمنا ولا نزال المساعدات ضمن إمكاناتنا، لكن في المقابل نرفض أي منافسة لأبنائنا، وعلى الإخوة النازحين أن يلتزموا بالقوانين المرعية الإجراء".

كما نبه البلديات إلى "ضرورة تحمّل مسؤولياتها في هذا المجال لجهة مراقبة تنفيذ القانون".

وشدد على "أن قانون العمل اللبناني واضح لجهة أن عمل الإخوة النازحين يقتصر فقط على قطاعات البناء والزراعة إضافةً إلى أعمال بسيطة أخرى، أما إدارة أو استئجار محال تجارية فهذا غير مسموح".

واستحدثت حكومة الرئيس سعد الحريري وزارة دولة تُعنى بشؤون النازحين نظراً لدقّة وحساسية هذه القضية التي باتت وطنية.

ولفت المرعبي المقرّب من "تيار المستقبل" الذي يرأسه الرئيس الحريري إلى أن إمكانات الوزارة محدودة وعملنا يقتصر على تنفيذ سياسة الحكومة والتنسيق مع الوزارات المعنية".

الفقر يولّد الجريمة

أما محافظ بعلبك الهرمل (شرق لبنان) بشير خضر، فأكد لـ"العربية.نت" "أن لا مشكلة مع السوري "الشرعي" الذي يملك أوراقاً قانونية تُثبت شرعية إقامته في لبنان وإجازة عمل، لكن المشكلة مع العدد الكبير من السوريين الذين يملكون محالا تجارية من دون إفادات عمل أو إقامة، وهؤلاء هم من نكافحهم مع الأخذ في الاعتبار الأوضاع المعيشية الصعبة لكلا الطرفين اللبناني والسوري، لأن الفقر يولّد الجريمة".

وإذ لفت إلى أن "التضييق الخناق على النازحين السوريين قد يدفع بعضهم لارتكاب السرقة أو غيرها"، شدد في المقابل على "أولوية الأمن القومي اللبناني مع احترامنا لكل الناس، ومن هذا المنطلق نحن نتّخذ الإجراءات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية لحماية اللبناني قبل كل شيء".

عرسال على الطريق

وكما في بعلبك كذلك في عرسال مع فارق بالتوقيت، إذ شهدت عرسال البلدة الحدودية الواقعة شرق لبنان ذات الغالبية السنّية الأسبوع الفائت سلسلة تحرّكات شعبية ضد العمالة السورية في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلد. واللافت أن عرسال ذات الغالبية السنّية، كانت شكّلت أبرز المناطق اللبنانية الحاضنة للنازحين، إذ استضافت نحو 120 ألف نازح يفوق عدد أبنائها الذين يبلغ عددهم حوالي 50 ألفاً. وأصبح عدد النازحين في عرسال اليوم نحو 60 ألفاً بعد سلسلة موجات عودة في اتّجاه قراهم في سوريا.

وفي هذا السياق، أوضح رئيس البلدية باسل الحجيري لـ"العربية.نت" أن ما شهدته البلدة من موجة اعتراضية من بعض أبنائها ضد المحال التجارية للسوريين ليست بالحجم الكبير كما روّجت وسائل الإعلام".

ولفت إلى "أن الأمور عادت إلى طبيعتها بعدما تدخّلت الأجهزة الأمنية وأوقفت 6 أشخاص من المجموعات التي تعرضت للنازحين".

وعمّا إذا كانت محال السوريين مرخّصة من البلدية، أشار الحجيري إلى "أن معظم المحال التجارية في عرسال غير مرخصة، حتى المباني السكنية أيضاً، باعتبار أن الدولة غائبة عن البلدة كما العديد من البلدات اللبنانية الأخرى، والناس اعتادوا على تسيير أمورهم بمعزل عن الالتزام بقوانين البلدية".

مخيمات إسمنت وقرار بلدي

إلى ذلك، أبدت أوساط لبنانية الثلاثاء تخوّفها من مباشرة النازحين في عرسال ببناء منازل من الإسمنت، لتتحوّل إقامتهم دائمة على غرار مخيّمات فلسطينيّة عدة في لبنان. ما دفع بمحافظ بعلبك الهرمل بشير خضر إلى توجيه كتاب إلى رئيس بلدية عرسال يطلب فيه الكشف على هذه الأعمال تمهيداً لإجراء المقتضى لناحية إزالة المخالفات التي تُشكّل اعتداءً على الأملاك العامة وتساهم في خلق أمر واقع من الصعب معالجته مستقبلاً يُشجّع النازحين على الاستقرار في لبنان وعدم الرغبة في العودة الى سوريا.

من جانبها سارعت بلدية عرسال إلى الاستجابة لكتاب المحافظ فأصدرت الثلاثاء قراراً بوقف أعمال البناء في المخيمات، وأبلغت المؤسسات والمحال التجارية في البلدة التي تبيع مواد البناء بحظر بيع صخور وإسمنت وحديد إلى النازحين، وأي مخالفة لهذا القرار ستعرّض هذه المؤسسات لعقوبات من البلدية".

في حين طمأن رئيس البلدية إلى أن "هذا الخوف غير مبرر، لأن كل ما في الأمر أن بعض النازحين يعمدون إلى تدعيم خِيَمهم بالإسمنت والباطون لتثبيتها خلال فصل الشتاء الذي عادةً ما يكون قاسياً برياحه القوية وبرده القارس"، ويذكّر "بأن اللبناني هو الأقرب إلى السوري انطلاقاً من علاقات الجيرة، والخوف من إطالة إقامة السوريين في لبنان كما حصل مع الفلسطينيين غير مبرر، لأن ظروف الأزمتين مختلفة."